الأربعاء، مايو 23، 2012



بيان الأزهر حول ما يسمى بالحسينيات الطائفية



أيها السادة العلماء! تعلمون أن هذا الدين الحنيف يقوم على التوحيد الخالص وعلى التصديق بكل الأنبياء والرسل والكتب المنزلة : يقول الله تعالى {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } .
وتعلمون أن المساجد في الإسلام إنما هي لعبادة الله وحده {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}.
وأنها مفتّحةُ الأبواب لكل المسلمين، بقطع النظر عن مذاهبهم الفقهية أو انتماءاتهم السياسية، يقفون فيها جميعًا بين يدي الله - تعالى - خاشعين، متجهين لقبلة واحدة وحيدة {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ }.
وقد تميزت مصر في تاريخها الطويل بالسماحة الفكرية والفقهية، والتقت على ارضها الطيبة مذاهب أهل السنة والجماعة من الأشاعرة والماتريدية وأهل الحديث، وكذلك المذاهب   الأربعةُ الفقهية المعمول بها لدى الأغلبية الساحقة في العالم الإسلامي والتي تبلغ ( نحو مليار ونصف المليار من المسلمين ) التقت كلها جنبًا إلى جنب دون تفرقة أو خلاف، ولم يكن صدفة أن قام فيها الصرح العلميُّ الوسطيُّ الأصيل ( الأزهر الشريف ) جامعًا وجامعة، حاميًا لهذا التراث الإسلامي الأصيل الذي تلقيناه عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم – براوية أصحابه الصادقين، وأتباعهم، ومَن أخذ عنهم من أهل العلم حتى يوم الناس هذا، تلقيناه على بصيرة ويقين، توحيدًا للنسيج الروحي والاجتماعي لمصر وشعبها بفضل أبنائها من علماء هذا المعهد العريق .
وحين قامت بمصر دولة الفاطميين تعتنق مبادئ متطرفة، تكفر أصحاب النبي                       – صلى الله عليه وسلم – بل خلفاءه الراشدين إلا عليا بن أبي طالب كرم الله وجهه، ونسبُّهم جميعًا وتثير الخلاف بين المسلمين، وتزرع الشك في نقل الكتاب والسنة، وتضع على جوار كلمة التوحيد            ( لا اله إلا الله محمد رسول الله ) وجوب الايمان بإمامهم الذي زعموا عصمته ونزاهته عن الخطأ، حين حدث ذلك استعصت مصر على هذه الأفكار المنحرفة المتطرفة، ونفضتها عن نفسها، بمجرد سقوط هذه السلطة الباغية.
أيها المسلمون، إن ديننا يقوم على كلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة، والنطق بالشهادتين والوقوف بين يدي ربه مع سائر المسلمين، ولا يشق عن القلوب، ولا يفرق بين الناس . والمسجدُ هو عنوان هذه الوحدة الجامعة {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ }، ولهذا أوجب الفقهاء أن تفتح المساجد أبوبها للمؤمنين كافة حتى تصح الصلاة فيها، وتنعقد فيها الجماعة .
ومن ثم فالأزهر الشريف يحذر من إقامة أية مساجد طائفية لمذهب مخصوص أو فئة بعينها، تنعزل عن سائر الأمة وتشق الصف، وتهدد الوحدة الروحية والاجتماعية لمصر وشعبها، سواء سميت بالحسينيات، وهو ما يكشف عن نزعة طائفية لايعرفها أهل السنة والجماعة في مصر، أو أي اسم آخر سوى بيت الله والمسجد وفي الحديث القدسي عن رب العزة إن بيوتي في أرضي المساجد وإن زواري فيها عمارها .
وإن الأزهر الشريف ومن ورائه كل المسلمين من أهل السنة والجماعة إذ يعلن أنه ليس في حالة عداء مع هذه الدول أو تلك من الدول الإسلامية فإنه يعلن أيضًا عن الرفض التام والقاطع لكل المحاولات التي تهدف إلي بناء دور عبادة لا تسمى باسم المسجد أو الجامع لتزرع الطائفية وثقافة كره أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والإساءة إليهم بتلك الثقافة التي لا تعرفها جماهير المسلمين في بلاد أهل السنة والجماعة وبخاصة في مصر بلد الأزهر الشريف الذي حافظ على عقيدة أهل السنة وحفظها من تحريف الغالين وانتحال المبطلين .. كما يعلن الأزهر أن المصريين هم أكثر شعوب الأرض قاطبة حبًا واحترامًا واجلالاً لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ولا يقبلون في ذلك مزايدة ولا احتيالاً ..     
حمى الله مصر كنانته في أرضه، وحفظ دينه الحنيف وأمته الخاتمة وهو حسبنا ونعم الوكيل. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق