بقلم: محمود خلوف
صحفي وباحث
عندما كتبت المقال الأول في بداية تشرين الثاني/نوفمبر 2008، عن هذا الموضوع، كنت آملا بأن لا أضطر ثانية للحديث عنه، ولكن ظروف العمل المحيطة بي، وبزملائي الآخرين، أجبرتني على كتابة الحلقة الثانية، لعلى وعسى "نشفي قلوب قوم مؤمنين"، أو نحرك الضمير المهني عند من "أتقنوا" أساليب عديدة للالتفاف على أصول المهنة، والاعتداء على شرف وحرمة مهنتهم.
بلا شك أن من أطلق اسم مهنة البحث عن المتاعب على الصحافة، كان مبدعا في ذلك، لأن إرهاق الصحفي والمراسل، والمندوب لا يقتصر على المصادر والمسؤولين ومراوغاتهم، ومحاولة تسخيره ليصبح بوقا لهم...ولا يقتصر على الخطر المحدق بالعمل، ولا على المخصصات المالية القليلة إذا ما قورنت بالجهد، بل يتعدى ذلك ليمتد إلى مزاجية القائمين بالاتصال، وظروف العمل الصحفي بالمؤسسة نفسها.
كانت الدراسات العلمية تتحدث سابقا عن إصابة الصحفيين بأمراض العيون والظهر نتيجة ظروف العمل التي تستدعي كثيرا الجلوس على شاشة الحاسوب، أو الجلوس على المكتب..لكنه المنطق يقول "يجب أن يضاف إلى ذلك أمراض القلب، والسكري، وضغط الدم.."، ليس بسبب ضغوط المسؤولين فقط، بل بسبب زملاء العمل أيضا.
في فلسطين التعب مضاعف، والأمر له خصوصية، بسبب مجازر الاحتلال، والحواجز العسكرية الإسرائيلية الكثيرة، ولكن النتيجة أنه احتلال، فيجد الفرد التبرير لنفسه والآخرين في هذا الأمر لأن الفاعل مجرم ومفضوح ومكشوف، بل لا داعي للتبرير من أصله، ولكن من الصعب أن يبرر قيام محرر مثلا بمنع إخراج مادة مهمة تتعلق بقضيته العادلة إلى النور، وليس بإمكانه أيضا تبرير المغالاة من قبل البعض في تجريد ضميرهم المهني في العمل.
بصراحة المسألة باتت مقلقة، ولم تعد تقتصر على أخطاء فردية، فمن يطلع على كتاب الصحفي المصري الكبير، محمد شعير الذي بعنوان (لا ينشر)، وأهمية المواد التي حجبها عدد من زملائه المحررين سواء في "الأهرام" أو في عدد آخر من الصحف المستقلة، يعرف بالفعل كم هو هول المصيبة...إنهم "يتلاعبون" بقضايا لها صلة مباشرة باهتمامات الرأي العام، وبمسائل عادلة ولا نقاش فيها.
أنا لا أفهم، وهنا لا أخص حديثي بمؤسسة بعينها، أن يقوم محرر بحذف مجموعة متحدثين تناولوا مسألة معينة في مؤتمر صحفي، ويكتفي بما كتب بالصفحة الأولى أو بالصفحتين الاولى والثانية، ....كان بإمكانه الاختصار من كلام كل المتحدثين ليراعي العدالة...لكن أن يحذف بهذا الشكل، فهو أوقع الصحفي(المراسل) وحتى المؤسسة بحرج كبير...وللأسف هذا الأمر يتكرر كثيرا.
كما أنني لم أجد تبريرا، كرئيس تحرير سابق، وكمحرر، وصحفي عمل في المرئي والمكتوب والالكتروني، لمدة 14 عاما، وكطالب دكتوراه في التحرير الصحفي، بأن أدافع عن زملائي المحررين، الذين اعتز بكثيرين منهم، عندما يتعلق الأمر بقيام محرر بحذف تصريحات رئيس اجتماع، وأن يكتفي بتصريح شخص أو اثنين، ودون اعتماد أسس مهنية سليمة...
بصراحة، عملي البحثي يرغمني بأن أتابع عمليات النشر والتحرير على المواقع الصحفية الالكترونية الفلسطينية بشكل خاص، والعربية عموما، وقد قمت بين الحين والآخر بمشاركة المحررين والصحفيين بشغلهم في مواقع العمل، وكان ذلك من متطلبات الدراسة، وسمعت نقاشات،... وكل ذلك يجعلني أخرج بخلاصة أنه لا يجوز أن ينصب المحرر نفسه أستاذا على زميله المراسل، لأنه للأمانة ثمة مراسلون ميدانيون أكفأ بكثير جدا ممن هم يملكون القرار بالنشر من عدمه.
وبما أنني أقدم شهادة مهنية هنا، أشدد للمحررين بأنني ما زلت اعتز بهم(باستثناء غير المهنيين وضعاف النفوس منهم)، وأنني لم أصب بفيروس الانحياز للمراسلين، ويصعب ذلك، لأنه مطلوب مني التوفيق بين عشقي للتحرير، وبين علاقاتي الطيبة مع المراسلين..
وبما يخص طبيعة صنع القرار في دسك التحرير، كانت ثمة دعوات متعددة تطالب باللامركزية في العمل، واُعتبر أن اللامركزية تفيد العمل كثيرا في أوراق بحثية كثيرة، ولكن من حقي أن أخالف هؤلاء إلى حا ما وانطلق بذلك من واقع العمل.
فالمركزية تفيد إن كان المحررون يمتازون بدرجة عالية من المهنية ويحرصون على احترام أخلاقيات العمل، ويحرصون على التعامل باحترام مع زملائهم المراسلين، أما عندما يتعاملوا بفوقية، وعندما يستفسر الصحفي عن سبب عدم نشر موضوع ما، ويكون لا رد، لأن البعض يعتبر من يسأل أو من يتحدث هو أدنى منه؟!!، فدور رئيس التحرير يكون مهما، وبخاصة عندما يكون متفهما ولديه خبرة واسعة ويعرف حساسية العلاقة وكيفية التعامل مثل هذه المواقف، ولا يتصرف كـ"المراهقين"...
في إدارة الأعمال، وبخاصة في تخصص إدارة القوى البشرية(إدارة الافراد) يهتمون كثيرا بدوافع العمل والحوافز، وظهرت مدارس ونظريات تفسر ذلك، وبما أن الأمر يتعلق بالقوى البشرية وبعمل المؤسسات الصحفية، يجب على صناع القرار في مجلس إدارة أي مؤسسة أو في مجلس تحريرها التنبه إلى أن الحوافز المالية صحيح مهمة، ولكن ظروف العمل والعلاقة بين الزملاء، أمر في غاية الأهمية...
قد يشعر البعض بإزعاج لوجود "مراجعات" من قبل المحررين للمراسلين، أو العكس، ولكن الواقع أثبت بأن الاتصال المتواصل إن أقيم على أسس واضحة وعلى أساس المنطق والحرص المتبادل على العمل، وإن كان الفيصل في ذلك أخلاقيات المهنة، واللوائح الداخلية في المؤسسة، هو لصالح العمل، لأن انقطاع هذه "المراجعات"، أجزم بأنه يخلق حالة من عدم الثقة، وبالتالي تأزم الموقف.
ومن هنا مطلوب من "الأساتذة" في مختلف المؤسسات الصحفية، ممن يعيشون في "برج عاجي" التواضع، والترجل والنزول قليلا، لأن ثمة أخطاء قاتلة يقعون بها..فلا أفهم بأن يضع محررا يصف نفسه بالمحترف عنوانا لمادة يتضمن 15 كلمة، ولا أبرر بأن يكتب مادة بعيدة تماما عن الأدب والصحافة ولا تنطبق عليها أي فن أو قالب صحفي، فالمصارحة والمراجعة في مختلف الأمور لصالحهم شخصيا ولصالح العمل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق