الجمعة، سبتمبر 17، 2010

جرائم إبادة بدون شهود

العربية
كتب أ. عبد الباقي خليفة* - موقع الحملة العالمية لمقاومة العدوان
هناك مقولة تردد كثيرا في الغرب هذه الأيام، وهي أن "الله إذا أراد أن يهلك قوما، يغريهم بغزو أفغانستان"، ولقد غزا الغرب أفغانستان وبات الغرب يبحث عن مخرج من المأزق الأفغاني، ودعوات قرضاي لمحاورة طالبان، انتقلت إلى المستوى العملي بعد الاتصالات مع الحزب الاسلامي الذي يقوده حكمتيار. لكن المقاومة تطالب بخروج المحتلين، وهو مطلب بدأ يلقي آذانا صاغية، وهناك من يؤكد ما أعلنه أوباما من أن الانسحاب سيكون في 2011 م وهو العام الذي يتوقعون فيه تحقيق نمو اقتصادي عالمي...

تختلف الأوضاع في أفغانستان اليوم، عما كانت عليه أيام الغزو الروسي نهاية ثمانينات وبداية تسعينات القرن الماضي، وذلك في جميع أطياف الصورة الكلية للأوضاع، عسكريا، واقتصاديا، ولوجيستيا، ودولياً.

فقد كانت جبهة الجهاد موحدة نسبيا، وهي الآن ليست كما كانت عليه إبان جهاد الروس. وكان المجاهدون يواجهون قوة عسكرية واحدة منهوكة في صراعها مع الغرب، واليوم يواجهون هجمة غربية صليبية مستترة حينا، وسافرة أحيانا أخرى، ودول تعادي الاسلام والمسلمين، وأخرى مغلوبة على أمرها بحكم الاتفاقات.

وتشارك في العدوان على المسلمين في أفغانستان، أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وايطاليا، واسبانيا، ودول حلف شمال الأطلسي الأخرى. وكانت باكستان تمثل ظهيرا استراتيجيا حيويا لافغانستان، وهي اليوم حليف استراتيجي للعدو المشترك الذي يقتل المسلمين في أفغانستان وباكستان على حد سواء.

وكانت وسائل الاعلام الدولية حاضرة بكثافة في أفغانستان، تنقل ما كان يجري من عدوان وفضائع من جانب، ومن بطولات جهادية من جهة أخرى، وهي اليوم ملاحق لجيوش دول الحلف الصليبي في أفغانستان. فجرائم الإبادة التي ترتكب اليوم في أفغانستان بدون شهود، أو بشهود زور ينقلون سوى ما يسمح لهم بنقله فقط، أوما يسمح لهم برؤيته، أو يسترقونه، أو يقع بين أيديهم قدرا لا صدفة.

فمنذ الغزو الصليبي لأفغانستان سنة 2001 م ارتكبت مجازر إبادة فظيعة، ضد الأسرى، وضد الشعب الأفغاني في غياب شهود مباشرين كالاعلام وغيره. ومع قرب عمليات الإبادة المتوقعة في قندهار، وإخلاء الساحة من الكثير من الشهود بما في ذلك المستشفى الايطالي الذي اتهم مديروه، بتخزين الأسلحة داخله، وتوجيه اتهامات لبعض العاملين فيه بمحاولة اغتيال مسؤولين في حكومة قرضاي لتبرير ذلك، مع ذلك كله، هناك ارهاصات لفشل جديد يتسربل به حلف شمال الأطلسي، وهزيمة تنتظره في أفغانستان. فالأفغان شعب مقاتل لا يهاب الموت، ولا يعرف الجبن، ولا يستسلم للقوة مهما كانت.

إخلاء الساحة:
إن عملية إخلاء أفغانستان من شهود جرائم الإبادة التي يرتكبها حلف شمال الأطلسي في أفغانستان، تؤكد بأن حرب الحلف يستهدف الأفغان المسلمين بقطع النظر عما إذا كانوا من طالبان أو غيرهم.

وكثرة الحوادث التي توصف بـ(العرضية ) لا تدع مجالا للشك في ذلك، حتى أن الرئيس الأفغاني حامد قرضاي نفسه، لم يستطع السكوت عن تلك الجرائم الفضيعة، والتي دفعته لإدانتها لاستمالة الرأي العام، والخوف من انسحاب متوقع لقوات الغزو الأطلسي، وتركه لمصيره. إضافة لاستخدام تلك الجرائم في خلافاته مع الغرب إلى حد مطالبته حلفائه بالتفاوض مع طالبان. فمشاهد القتل للمدنيين بدم بارد تؤكدها آلاف الوقائع، مما ينفي احتمال العفوية، فاطلاق النارعلى حافلة تقل مدنيين، أو قرية آمنة بطريقة غادرة في الليل أو النهار، وعلى المدنيين في الأسواق، لا يمكن تبريرها بالخطأ، إلا إذا كان ذلك الخطأ مقصودا.

وهو ما تكرر في هلمند، وقندهار، وقندز، وهيرات، زابل، ولوغر، بغلان، بكتيا، وجلال آباد، ومزار شريف، فضلا عن العاصمة كابل. كلها تكشف بوضوح استخفاف الحلف بالأفغان المسلمين، ولا يعير اهتماما لما يسميه كذبا ب " كسب الافغان لدعم المجهود الحربي ". فذلك كما يبدو مجرد تغليف لحقيقة الحرب الشاملة ضد المسلمين، وهي حقيقة نجد ما يدعمها في العراق وفلسطين وفي الكثير من المناطق التي يتعرض فيها المسلمون للابادة بأشكال مختلفة.

وهو ما تكشفه عملية اخلاء الساحة من الشهود كما سبق ذكره. إذ أن قتل 2400 مدني خلال عام 2009 م فقط، يغلق كل الأبواب في وجه أي احتمالات ساذجة تتفهم مقولات هؤلاء الأعداء.

حرب أفيون في أفغانستان:
يثير الموقف المريب لحلف شمال الأطلسي، حيال زراعة الأفيون في أفغانستان، الكثير من التساؤلات، حول النوايا الحقيقية لوجوده في أفغانستان، والتي تؤكد الدراسات والبحوث، أن تلك المنطقة من العالم، أحد مراكز زراعة وانتشار المخدرات في العالم. والسؤال المطروح هو، ما إذا كان الحلف يمول عملياته العسكرية من تلك الزراعة التي طالما اتهم حركة طالبان ومنظمة القاعدة بأنها تتستخدمها لتمويل عملياتها.

وأصبح السؤال الأكثر إلحاحا هو، إذا كانت طالبان ومنظمة القاعدة يستخدمان مزارع الخشخاش في أفغانستان لتمويل عملياتهما العسكرية ضد قوات التحالف الصليبي العدواني على أفغانستان فلماذا لا يقوم بحرق تلك المزارع، وقواته تزيد عن 126 ألف جندي وستصل في أغسطس القادم إلى 150 ألفا. وقد بدا الجواب واضحا لا لبس فيه، بعد رفض الحلف طلبا روسيا بهذا الخصوص نهاية مارس الماضي، فالمخدرات جنود في صفوف أعداء المسلمين.

وقال الناطق باسم الحلف، جيمس أباثوري " يجب معالجة مشكلة المخدرات بحذر لتجنب نفور السكان، والحلف يواصل جهوده لمحاربة زعماء المخدرات ومعامل انتاجها " على حد زعمه. كما زعم بأن " الوضع الحالي لا يسمح بإزالة مصدر الدخل الوحيد لأشخاص يعيشون في ثان أفقر بلد في العالم، من دون أن نستطيع توفير بديل لهم ". وهكذا يتم تبرير عملية زراعة الحشيش في أفغانستان باسم مصلحة الافغان، الذين تراق دماؤهم باستمرار ودون توقف، حيث قتل 2400 مدني خلال 2009 م وفق تقرير للامم المتحدة بهذا الخصوص، بينما يؤكد كثيرون بأن العدد أضعاف ذلك بكثير. حيث يثأر من المدنيين الأفغان بكل وحشية وخسة عندما يتلقى الحلف العدواني ضربات موجعة من المقاومة الأفغانية.

خلاف قرضاي مع الغرب:
يمثل خلاف قرضاي مع حلفائه الذين يودون تغيير الديكور السلطوي في كابل، استجابة لمتطلبات المرحلة، أحد العوامل المساعدة على هزيمة التحالف العدواني ضد الشعب الأفغاني.

فالإرباك الحاصل بين قرضاي، وصانعيه، والذي وصل إلى حد اعتبار السفير الأمريكي في كابل، كارل إيكنبري، قرضاي " ليس شريكا استراتيجيا ملائما " كما أن زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما المفاجئة إلى كابل ولقائه بقرضاي لم تخل من توبيخ، رغم زيادة قوات في بلاده في أفغانستان.

وأبلغ أوباما قرضاي بأن " الولايات المتحدة لن تدعم حكومة تغض النظر عن الفساد وتتبنى المحسوبية وتقيم علاقات مع لوردات الحرب مثل دوستم وغيره " وعملية استقبال قرضاي بحفاوة في مؤتمر لندن في يناير الماضي لا تعكس حقيقة وجود خلافات، بل كان ذلك محاولة لاخفائها ليبدو الوضع طبيعيا. فقرضاي لم يلتزم بما تعهد به في خطاب تنصيبه مجددا من محاربة الفساد، بعد تورط شقيقه ومقربين منه في قضايا فساد مالي.

لكن ذلك ليس سوى الشجرة التي تخفي الغابة، فخلاف الغرب مع قرضاي يتمحور حول قانون العفو الذي سن عام 2007 م والذي يمنح المقاتلين من طالبان والحزب الاسلامي وغيرهما، عفوا في حال ألقوا السلاح، وهو ما أثار عليه التحالف العدواني، وأدانه في الأمم المتحدة. وقد أصبح الكثيرون يعتقدون بأن "ضعف الثقة بين قرضاي والغرب قد يضر بشكل مباشر بالقتال ( العدوان ) على أرض المعركة في قندهار " وقد بدا ذلك واضحا بعد مقتل 7 جنود ألمان في أبريل 2010 م، أثناء وجود وزير التعاون الاقتصادي الالماني ديرك نيبل في كابل، ليصل عدد الجنود الألمان القتلى في أفغانستان إلى 43 جنديا، حيث لم ترسل حكومة كرزاي عدد الجنود الذي طلب منها، ولم ترسل سوى 1300 جندي فقط. لذلك رد الجنود الألمان بقتل 6 من الجنود الأفغان التابعين لقرضاي، وهكذا يكون التحالف مع الأعداء أو لا يكون. فغالبا ما يقوم التحالف الصليبي العدواني بقتل جنود حكوميين أو مدنيين ردا على خسائرهم في صفوف قواتهم أثناء مواجهتهم مع طالبان، مثل قتل 142 مدنيا أفغانيا في قندز، في غارة واحدة يوم 4 يوليو 2009 م. ومع سعي الغرب لتهميش الأخ غير الشقيق لقرضاي حاكم قندهار، فإن انعاكاسات ذلك ستكون لصالح المجاهدين لا محالة.

المستقبل للمقاومة:
هناك مقولة تردد كثيرا في الغرب هذه الأيام، وهي أن " الله إذا أراد أن يهلك قوما ، يغريهم بغزو أفغانستان ". ولذلك يمارس حلف شمال الأطلسي سياسة الأرض المحروقة، وقتل المدنيين لإجبارهم على الهجرة إلى المجهول، جزء من ذلك، إذ أن القتل استراتيجية معتمدة، وليس خطأ عسكريا. وقتل الافغان ليس في حافلات النقل، وعبر القصف الجوي فحسب، بل في نقاط التفتيش التي أصبحت أماكن للابادة الأفغان بأوامر عليا. وهو ما أفصح عنه الجنرال مايك شريستل بقوله " نحن ننبه جنودنا كثيرا في نقاط التفتيش للالتفات للمخاطر ونطالبهم باتخاذ قرارات سريعة " واتخاذ قرارات سريعة تعني اطلاق النار دون تثبت، وهي دعوة للقتل لا محالة. ويؤكد بأنه لا توجد عمليات استشهادية تبرر اطلاق النار " على فترة تجاوزت 9 أشهر من وجودي هنا، لم نواجه ولا حادثة انتحارية واحدة، بل كانت العوائل تمر من هنا فقط " وكثيرا ما تشارك الطائرات في المذابح، فعندما يشاهد الطيارون الجنود يطلقون النار، يسارعون للمشاركة في المجازر ويضاعفون بذلك عدد الضحايا.

واليوم يستعد الحلف العدواني لغزو قندهار ويعتبر ذلك " حجر الزاوية " في محاربة ( طالبان ) فكم من الأرواح البريئة ستزهق على مذبح الصلف الغربي ؟! إن ذلك سيدفع أطرافا أفغانية للانضمام إلى المقاومة في ظل تقارير غربية تؤكد بأن نصر الحلف العدواني مستحيل. " لا يمكن النصر في هذا الصراع عسكريا ولا بد من اجراء محادثات مع بعض المتمردين ".

إن الغرب يبحث عن مخرج من المأزق الأفغاني، ودعوات قرضاي لمحاورة طالبان، انتقلت إلى المستوى العملي بعد الاتصالات مع الحزب الاسلامي الذي يقوده حكمتيار. لكن المقاومة تطالب بخروج المحتلين، وهو مطلب بدأ يلقي آذانا صاغية، وهناك من يؤكد ما أعلنه أوباما من أن الانسحاب سيكون في 2011 م وهو العام الذي يتوقعون فيه تحقيق نمو اقتصادي عالمي، فقد زادت تكاليف الحرب في ظل الأزمة المالية، وزيادة الداعين للانسحاب وتذمر أسر الجنود، وما عملية قندهار سوى محاولة لتحقيق ( نصر ) عسكري يعضد المفاوضات مع المقاومة بما فيها طالبان، والأمل أن تكون تلك الاستراتيجية مغامرة فاشلة تعجل برحيل الغزاة، وعودة المجاهدين للحكم بصيغة توافقية بين حقاني وحكمتيار وطالبان. " ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ".

* كاتب عربي مقيم في البوسنة والهرسك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق