بقلم : عبد الله الأشعل
لاشك أننا نشهد عصر التراجع العربى السريع، حيث تراجع العرب عن خطوط كثيرة فى المقدمة ودخل تراجعهم إلى داخل أوطانهم. وأريد بهذه المناسبة أن أطلق تحذيراً عالياً وهو أن العقد الثانى من هذا القرن سوف يشهد تسارعاً فى تعاظم المشروع الصهيونى يقابله تسارع فى تفتيت الأوطان العربية. فقد كانت المطالبة بالوحدة العربية واستهجان القطرية حلماً، وكانت الوحدة الجزئية وارتفاع راية الوحدة المأمولة وإن بدت أحياناً نوعاً من الحلم بعيد التحقيق إلا أنها حفظت الحد الأدنى وهو الأقطار العربية. ومن المعلوم أن النخر فى الحلم القومى اتخذ أشكالاً متعددة في الممارسة والفكر، بدأ بتعظيم المصالح القطرية فيما عبرت عنه دول مثل مصر والأردن، مصر أولاً والأردن أولا وهو شعار خبيث لم يكن يعنى قطعاً أولوية المصالح فى كل بلد على مجمل المصالح فى بلاد أخرى بقدر ما كان هدفه إثارة النزعة الانفرالية التى تتمشى مع المشروع الصهيونى الأمريكى الذى ضمن نمطاً جديداً من العلاقة الحادة بين واشنطن وكل عاصمة عربية حتى جف نبع العمل العربى المشترك.ثم جاءت تطورات مقصودة فى ساحة العراق والكويت والخليج فأصبح مصطلح العروبة يثير الاستغراب والثقة وأحياناً الاحتقار، حيث ربط جانب من الفكر العربى الصهيونى بين الاستبداد والقومية والوحدة والعدوان على سيادة دول عربية قائمة مثل الكويت خاصة وأن الغزو العراقى تم تحت شعارات قومية، فكان طبيعياً أن تختار الكويت وغيرها سلامتها التى تتهددها هذه الشعارات وهى تدرك أنه توظيف بغيض لمعانى سامية مثلما توظف عبر التاريخ جميع المثل والمبادئ النبيلة كالحرية والديمقراطية والأديان جميعاً.هكذا تم تعرية أعصاب القطرية العربية بعد أن زالت القشرة القومية وصارت هذه القطرية هى الموضة للتآكل من خلال التفتيت، وتكاثرت النماذج حتى استرجعنا مخطط 1916 الذى كان اتفاق سايكس بيكو هو الطبعة الأولى له، بحيث تعقبه طبعة أخرى بعد ذلك بمائة عام أى منتصف هذا العقد 2011 -2020 وفي نهايته بحيث يتم تفتيت الأوطانوأن يقاتل الناس داخل هذه الفتات بعضهم بعضاً وتتعاظم قوة إسرائيل وتتجاوز مرحلة المشروع الصهيونى.وقد كانت نقطة البداية فى ضرب المشروع القومى عام 1967 ثم محاصرة آثار التضامن العربى عام 1973 بسلسلة مدروسة من الاجراءات كانت أخطرها أمران الأول هو إخراج مصر من معادلة مواجهة المشروع الصهيونى حتى يمزق الجسد العربى ويتمرد باطمئنان يعد زوال أكبر مهدداته، والأمر الثانى هو تفريغ الثروة البترولية العربية من مضامينها التنموية والسياسية، حيث تستنزف الثروة فى التسليح والأمن الوهمى، كما صار استخدامها السياسى بعد كل الترتيبات التى وضعت لتحييدها ضربا من الخيال العلمى، بل صار الحديث عن أمجاد العرب وتاريخهم عرضة للسخرية.مشروع التفتيت بدأ وتوغل وحل بعدد من الأوطان العربية فى العراق والسودان ولبنان وتبدو الإرادة العربية لوقف الانهيار ضعيفة وغائبة فى معظم الأحيان، والسبب هو هذه الرابطة الأمريكية مع هذه النظم التى أدت إلى تقويض الأوطان العربية مادامت إسرائيل هى التى تشكل القرار الأمريكى فى العالم العربى.التحدى الآن هو: كيف يمكن وقف التدهور وكسر الحلقة الجهنمية التى وضع فيها العالم العربى فى وضع التفتيت. المطلوب الآن تشكيل جبهة واسعة من كبار المفكرين والسياسيين العرب فى كل الأقطار العربية وفى الشتات ومركزها القاهرة حتى تضع خطة للتحرك بالتعاون مع كافة المسئولين والدوائر المدنية والثقافية لتأكيد ضرورة الحفاظ على وحدة الأقطار العربية والدعوة إلى الوحدة العربية التى تعد صمام الأمان لصيانة الأطان العربية، ولتبدأ الجبهة عملها بالسودان الذى يجب أن يتصدر الاهتمام العملى والفعال، لأنه بداية النهاية للأقطار العربية القائمة ففى حوالى نصف القرن انتقل العالم العربى من التهيؤ للوحدة العربية إلى الوقوف بحذر فى انتظار معاول تفتيت الأوطان العربية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق