تقييم رفاعة الطهطاوى للسياسات الاقتصادية فى
المرحلة الانتقالية "
في إطار حرص منتدى رفاعة الطهطاوي على مناقشة قضايا المرحلة الانتقالية، عقد
المنتدى ورشة عمل بعنوان" تقييم السياسات الاقتصادية فى المرحلة الانتقالية
" و استضاف المنتدى كلاً من الدكتور حمدي عبد العظيم الخبير الاقتصادى, الأستاذ
كمال جاب الله مدير تحرير الأهرام , و الأستاذ نشأت الديهى الكاتب والخبير الاقتصادى
, وأدار الجلسة الأستاذ أحمد السرساوى مدير تحرير أخبار اليوم.
ودارت الجلسة حول عدة محاور أهمها إلى أين وصل الاقتصاد المصرى فى ظل الزخم
السياسي فى المرحلة الانتقالية؟ و إلى أى مدى تؤثر الاحتجاجات والإضرابات العمالية
على الاقتصاد فى مصر ؟ و إلى أى درجة يتأثر المواطن البسيط بصعود أو هبوط مؤشر
البورصة؟ و هل مصر فعلاً دولة غنية الموارد؟ وأجاب عن هذه الأسئلة ضيوف المنصة من
خلال طرح عدة أفكار مختلفة تناقش الوضع الاقتصادى فى مصر.
بدأ فعاليات الجلسة بكلمة الأستاذ أحمد السرساوى مدير الجلسة بعرض أهم
المحاور التى ستتناولها ورشة العمل وفى المقدمة ألقى الضوء على الأوضاع الأقتصادية
قبل الثورة ومقارنتها بما بعد الثورة وتساءل هل الوضع أصبح سيئاً بعد الثورة أم
أنه كان سيئاً و ازداد سوءاً بعد الثورة وذكر أيضاً أن شعارات الثورة كانت تمثل في
جزء كبير منها مطالب اقتصادية وطرح أمثلة من شعارات الثورة التى كان لها مدلول اقتصادى
مثل (عيش-حرية-كرامة إنسانية) مشيراً إلى أن هذه المطالب من منظور اقتصادي تفسر
على أنها 30% منها سياسى و70% منها إقتصادى . وواصل السرساوي قوله بأن
"المرحلة الانتقالية كان من المفترض
أن تكون مرحلة إصلاح اقتصادى وسياسى فى أن واحد وجدير بالذكر أن وزراء مالية مصر
فى المرحلة الانتقالية لم يكن لأحد منهم رؤية اقتصادية واضحة تعبر عن إصلاح
اقتصادى فى المرحلة الانتقالية" مشيراً إلى أن مصر ظهر لها أرقام مخيفة على
الصعيد الاقتصادي تدل على سوء إدارة كبير لوزراء مالية مصر فى المرحلة الانتقالية.
وبعد ذلك أعطى الكلمة للدكتور حمدى عبد العظيم الخبير الاقتصادى.
بدأ الدكتور حمدى عبد العظيم في تناول الموضوع من وجهة نظر تحليلية
للمقدمات والنتائج فى مصر قبل وبعد المرحلة الانتقالية، مؤكداً على أن الثورة قامت
من أجل أهداف اقتصادية بالدرجة الأولى وأنها من الدوافع التى عجلت بحدوثها قائلاً
إذا نظرنا إلى الشباب الذين قاموا بالثورة سنجد أنهم ممن يعانون من البطالة وتدنى
مستوى الخدمات وسوء توزيع الموارد وهذه العوامل جعلت المواطنين مشحونين بدرجة
كبيرة من النظام الحاكم لفترة كبيرة التى
كانت تسبق قيام الثورة خاصة وأن النخبة أصبحت تسيطر على الثروة وظهر مايسمى "زواج
الثروة بالسلطة" وأصبح 20% من النخبة يملكون 80% من الثروة والعكس 80% من
الشعب يملكون 20%من الثروة ، و من ثم فإن كل هذه الأعباء أدت إلى شحن نفوس المواطنين
ورغبتهم الجامحة فى إزالة النظام السابق و هذا بالنسبة للوضع قبل الثورة.
أما في تحليله للوضع بعد الثورة
أشار د/ عبد العظيم إلى أن المواطن وجد نفسه فى وضع أسوأ مما كان عليه وازداد
الوضع سوءاً من ناحية فساد السياسات الحاكمة واستخدام فزاعة الأمن وسوء الأحوال
الاقتصادية للضغط على الناس البسطاء واستشراء الفساد فى كافة هيئات وقطاعات الدولة
وعدم تطبيق القوانين التى كان من شأنها أن
تساعد فى حل المشكلات الاقتصادية مثل قانون الضرائب العقارية خاصة فيما يتعلق
بالضريبة التصاعدية ، وربط عبد العظيم سوء الأحوال الاقتصادية قبل وبعد الثورة
وأوضح أن كل هذا الفساد والفشل فى السياسات الحاكمة هو السبب الرئيس فى
تدهور الأوضاع الاقتصادية .فالناس الآن تشعر بإحباط شديد خاصة مع عدم وجود أى حلول
إيجابية من جانب مسؤلى إدارة البلاد لمواجهة مثل هذه المشكلات الاقتصادية الكبيرة
فالديون تثاقلت بشكل كبير على عاتق مصر كذلك زيادة حجم الورادات وضعف الصادرات .
وعقب بأن مصر لديها فى المرحلة الحالية الكثير من التحديات فالدين يتزايد
والاحتياطى يتآكل وسعر الفائدة يزيد, و كثير من المستثمرين الأجانب قاموا بإيقاف
عملهم نظراً لعدم استقرار الأوضاع داخل مصر مما أثر على الدخل القومى لمصر, علاوة
على كثرة الإضرابات والاحتجاجات العمالية والتى تكلف الدولة أعباء مالية كبيرة
ولذا علينا مواجهة هذه التحديات بوضع الحلول التى يمكن تطبيقها على المدى القريب
والمدى البعيد . ومن أهم الحلول التى ذكرها في هذا الصدد هى القضاء على الفساد فى
المؤسسات السيادية, و استقرار الأوضاع السياسية في البلاد و هذه من الأمور التى
سيحددها كيفية إختيار الرئيس القادم. وختم عبد العظيم حديثه بأنه على الرغم من وجود العديد
من التحديات الصعبة إلا أنه يمكن التغلب عليها فمصر لديها الكثير من الموارد التي
إن أُحسن استغلالُها ستستعيد مصر قوتها.
علق أ/السرساوى على ما ذكره د/عبد العظيم قائلاً بأنه بالفعل جاءت الثورة وحدثت
ولكن السياسات الاقتصادية لم تتغير بأى شكل وأن الشعب المصرى لم ير أية قرارات على
الصعيد الاقتصادي ترضيه ولكنه يرى مزيد من الأعباء تقع على عاتقه.
وفى كلمة الأستاذ نشأت الديهى الكاتب والخبير الاقتصادي طرح سؤالاً مفاده و
ماذا بعد؟ فبعد طرح المشكلات التى نشهدها فى المرحلة الانتقالية ما الذي يجب أن
نفعله فى ظل هذه الظروف الاقتصادية السيئة وبدأ الديهي في عرض عدد من المشكلات
التى نمر بها فى ظل المرحلة الانتقالية وتوقعات الناس من الثورة حيث قال "إن الناس
كانت تتوقع أن الثورة ستجلب لهم المكاسب التى نادوا بها جميعاً ولكنهم تفاجئوا
بالوضع بعد الثورة وكأنهم يعاقبون على قيامهم بمثل هذه الثورة" , و أكد
الديهى أن الثورة ليست هي السبب فيما توصلنا إليه من تدنى فى كافة المستويات الاقتصادية
ولكن الوضع أصبح هكذا بسبب سوء إدارة البلاد ووجود قوانين تزيد من أصحاب النفوذ
قوة وتقوية السياسات الفاسدة مثل سياسة الاحتكار مشيراً إلى كونها من أكثر السياسات
التى ساهمت فى فساد النظام الاقتصادى فى مرحلة ماقبل ومابعد الثورة .
وواصل الديهي حديثه عن المشكلات
التى سببتها الأزمات الاقتصادية من عمالة أطفال وتسرب من التعليم ومعدلات جريمة عالية
علاوة على اهتزاز مكانة مصر السياسية والاقتصادية بين دول العالم وفى هذا الأطار
أعطى مثال بتجمع دول (بريكس) والذى يضم( البرازيل –روسيا - الصين- الهند- جنوب
افريقيا ) هذا التجمع الذى يضم مجوعة دول
كانت لديها مشكلات اقتصادية كبيرة ولكنه فى خلال فترة قصيرة سيكون من أقوى التجمعات
التى سيشهدها العالم فى الفترة القادمة .وتساءل أين مصر من هذه التحالفات
والتجمعات الاقتصادية الكبيرة مشيراً إلى أنه لابد من أن تعيد مصر النظر فى كافة
اتفاقياتها الدولية التى تتعامل بها والتى قد تساعد فى أن تستعيد مصر مكانتها. وطرح
الديهى عدة حلول لمواجهة الأزمة الاقتصادية الحالية على النحو التالي:
-
أهمية وجود إدارة سياسية حكيمة تقوم بالإصلاح في كافة المجالات خاصة
الاقتصادية منها.
-
محاولة سد عجز الموازنة والذى أصبح مخيفاً و ذلك من خلال استخدام بعض
القطاعات مثل قطاع الجمارك حيث أوضح أنه يمكن من خلال ضبط التكاليف فى هذا القطاع
أن يوفر لنا قدر كبير يساعد فى سد عجز الموازنة.
-
عودة المؤسسات التى أسسها الجيش وتتبعه إلى تبعية الدولة المدنية حتى
لاتكون حكراً على الجيش فقط بما فى ذلك من مصانع ومخابز وكافة الهيئات والمؤسسات
التى تقدر بمليارات الجنيهات.
-
إصلاح الفساد المؤسسى خاصة المتواجد فى كافة هيئات الإدارة بالدولة و إعادة
ضبط مؤشرات ارتفاع الأسعار لدرجة أن يشعر بها المواطن العادى. وفى نهاية حديثه أكد
الديهي أن مصر لديها موارد ضخمة خاصة فيما يتعلق بالعنصر البشرى وأن هذا ما يعطيه
الأمل فى القدرة على مواجهة كافة التحديات .
و علق السرساوى لاحقاً بأن مصر بالفعل لديها مورد بشرى كبير إذا أُحسن
إستغلاله يمكن لمصر أن تستعيد وزنها مرة أخرى وأن معدلات تقدم الدول يأخذ وقت أقصر
مشيراً إلى أن اليابان أخذت 25 سنة لتصبح من أكبر الدول المتقدمة اقتصادياً أما
كوريا فأخذت 18 سنة وكذلك نتوقع لمصر أن تأخذ فترة أقصر حتى تصبح من أكبر الدولة اقتصادياً.
و فى كلمة الأستاذ كمال جاب الله مدير تحرير الأهرام تحدث عن تقييم
السياسات الاقتصادية للمرحلة الانتقالية والتى أسماها "بالمرحلة الانتقامية" وقارن بين
الأوضاع الحالية وأوضاع ماقبل الثورة مشيراً إلى
أن سياسة النظام السابق كانت تستخدم فزاعة الأمن للضغط على المواطنين وعدم
مطالبتهم بحقوقهم وعندما قامت الثورة أصبحت تستخدم فزاعتي الأمن والاقتصاد معاً فالإدارة
الانتقامية كما لقبها جاب الله هى التى خلقت هذه الأزمات السياسية والاقتصادية
المطروحة حالياًُ فعلى الرغم من أن الثورة أزالت رأس النظام إلا أن النظام نفسه
باقى.
وطرح جاب الله علامة استفهام حول
أنه لا يعلم إن كانت هذه الأزمات الاقتصادية ارتكبها مسؤلي الإدارة فى البلاد عن قصد
وعمد أم أنها ناتجة لسوء إدارة أحوال البلاد، مشيراً إلى أنه فى كلتا الحالتين فالإدارة
السياسية هى المسؤلة عما يحدث فى المرحلة الانتقالية من أزمات سياسية واقتصادية
.وأكد جاب الله على أنه على الرغم من أن الثورة
أظهرت أفضل ما فى الشعب المصرى من سمات إلا أنها أظهرت أسوأ مافى إدارة البلاد.
وأشار الى أهمية النظر للأحداث على ضوء وخلفية الأحداث السياسية فكل هذه
المشكلات ماهى إلا أداة لإلهاء الشعب عن هدفه الرئيسى وهو اختيار الرئيس المناسب و
ذلك على حد قول جاب الله. ولكنه فى نهاية حديثه أقر بضرورة وضع السياسات الصحيحة
لاحتواء مشكلات الوضع الراهن ووضع القيود على مستوى الإدارات الفاسدة للحد من هذا
الفساد وبالتالى يظهر الاصلاح فى كافة الجوانب .
وعلق السرساوى أن الثورة بالفعل
أطاحت برأس النظام السابق لكن باقى أعضاء النظام ما زالوا فى أماكنهم يتمتعون
بكافة المزايا ومازل مبارك فى مكانه يعامل على انه الرئيس .و أكد السرساوى فى تعليقه
على ضرورة إعادة إنتاج القوى السياسية التى تدير وتحكم المرحلة الانتقالية , و
السعى فى تحقيق الخطوات الجادة على الصعيدين السياسى والاقتصادى , وأن هناك بارقة
أمل ومؤشرات تقول أنه يمكن لمصر أن تستعيد قميتها السياسة والاقتصادية إذا ما
أحسنت استخدام مواردها المتاحة لديها.
واستقبلت المنصة العديد من المداخلات فتحدث أحد الحضور أن الإدارة التى تحكم
البلاد لابد لها وأن تتسم بالشفافية والوضوح ويتم عرض الأفكار المتعلقة بالموازنة
العامة و موارد الدولة ومخرجاتها حتى يطَلع الناس على سير الأحوال الاقتصادية ,
وتساءل آخر من الحضور حول دور المواطن فى المرحلة القادمة. و أجابه د/حمدى عبد العظيم أن دور المواطن فى ظل
غياب سياسة الحوار والمشاركة قد لايكون مفعل ولكنه يجب على المواطن ان يتابع أداء
الحكومة باستمرار و أن يقلل من الاحتجاجات والاعتصامات الفئوية والتى من شأنهها أن
تحمل الدولة أعباء مادية كبيرة وأن يزيد
من المدخرات ويرشد الاستهلاك من جانب ويساعد في دفع عجلة الانتاج من جانب أخر.
وفى مداخلة أخرى تساءل أحد الحضور عن الصناديق الخاصة للهيئات والإدارات
المختلفة ماهى مواردها ؟وفيم يتم صرفها؟ ومادورها فى حل الأزمة الاقتصادية؟ وعن هذا أجاب د/حمدى عبد العظيم أن هذه الصناديق
هى بمثابة أوعية موازية تتبع الوزارات أو الهيئات العامة
وتنشأ بقرارات جمهورية، لتستقبل حصيلة الخدمات والدمغات وغير ذلك من الموارد
لتحسين الخدمات التي تقدمها الهيئات العامة. وهى تعد باب
كبير للفساد لكن تلك الحصيلة لا تدخل إلى خزينة الدولة ولا علاقة للموازنة العامة
بها، ومن ثم فلا تعرض تفاصيلها على مجلس الشعب، رغم خضوعها المفترض لرقابة الجهاز المركزي
للمحاسبات وأن ما يحدث فى الواقع بشأن هذه الصناديق الخاصة أنها لاتدخل فى مشروع
من مشاريع التنمية وبالتالى فإنها جزء مهدر تماماً , و أضاف أ/الديهى معلقاً على
الصناديق الخاصة مطالباً بضرورة أن ترجع وتخضع لإدارة الدولة نفسها وتكون بند من
بنود الموازنة العامة ولا نتركها هكذا ثم نعود ونتساءل من أين يأتى الفساد؟.
أهم
التوصيات التى خرجت بها ورشة العمل:
1- تعديل السياسات الحاكمة فى المرحلة الانتقالية على المستويين السياسى
والاقتصادى.
2- عمل تعديلات فى القوانين الخاصة بالضرائب وتطبيق الضريبة التصاعدية
ورفع نسبتها فبدلا من أن تكون 25%ترفع الى 30% أو 40% وذلك وفقاً لتقسيم من يطبق
عليهم الضريبة إلى شرائح كل منها حسب الدخل المقرر له.
3- تشجيع المصريين فى الخارج على إعادة الاستثمار لجلب العملات الأجنبية
وذلك من خلال طرح مساحات من الأراضى يتم شراؤها بالعملات الأجنبية على سبيل المثال.
4- إعادة النظر فى وضع مصر فى الاتفاقيات الدولية وإعادة التوزيع
الجغرافى لصادرات مصر فى الدول العربية وخلق أسواق جديدة لها .
5- إعادة هيكلة الإدارات المسؤلة عن الصناديق الخاصة ووضعها تحت بند من
بنود الموازنة العامة وعرض تفاصيلها على مجلس الشعب.
6- إعادة صياغة القوانين الخاصة بحماية المستهلك وتقييد الاحتكار بما
يحمى المواطن بالفعل.
7- تطبيق قانون الحد الأقصى والحد الأدنى من الأجور والذى من شأنه أن
يوفر جزء كبير من المبالغ التى يحصل عليها كبار موظفى الدولة وإعادة ذلك لخزانة
الدولة .
8- الاتجاه لاستخدام الموارد المتجددة بدلاً من الاعتماد بشكل كبيير على
موارد الطاقة الغير متجددة مثل استخدام طاقتى الشمس والرياح والتى قد تساعد فى
توفير وإنماء موارد أخرى وتقلل من العبء الاقتصادى جراء استيراد كميات كبيرة من
الطاقة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق