الخميس، مايو 30، 2013

اثر السد الاثيوبى علي مصر



بقلم :الدكتور عادل عامر
بدأت إثيوبيا عملية تحويل مجرى أحد روافد نهر النيل وهو النيل الأزرق تمهيدا لبدء العملية الفعلية لبناء سد النهضة. على الرغم من توقع حدوثه منذ سنوات ومن تأكيدات أديس أبابا بعدم تأثيره على مصر، أثار قرار إثيوبيا البدء في تحويل مجرى مياه النيل الأزرق تمهيدا لبناء سد النهضة أو سد الألفية غضب الأوساط المصرية الشعبية التي تخشى تجفيف نهر النيل ذلك الينبوع الحيوي، وذلك على غرار المردود السلبي لسد اتاتورك في تركيا على العراق وسوريا. وتعود أزمة تحويل مجرى النيل إلى مايو 2010 عندما قررت 6 من دول منابع النهر التوقيع في مدينة عنتيبي الأوغندية على معاهدة جديدة لاقتسام موارده ومنحت القاهرة والخرطوم مهلة عاما واحدا للانضمام إلي المعاهدة. وتنص «اتفاقية عنتيبي» على أن التعاون بين دول مبادرة حوض النيل يعتمد على الاستخدام المنصف والمعقول للدول. واتخذت الدول الأعضاء مؤخرا إجراءات التصديق عليها من برلماناتها وبمجرد سريانها تنتهي الحصص التاريخية لمصر والسودان وفقا لاتفاقيات 1929 و1959 والتي بموجبهما تحصل مصر حتى الأن على 55,5 مليار متر مكعب من المياه سنويًا، والسودان 18،5 مليار. ووقعت على هذه الاتفاقية 6 دول هي إثيوبيا وأوغندا وكينيا وتنزانيا ورواندا وبوروندي، بينما رفضت كل من مصر والسودان والكونغو الديمقراطية الانضمام إليها.  وفي مارس 2013، أعلنت دولة جنوب السودان أنها ستنضم إلى الاتفاقية. واعتبرت القاهرة والخرطوم أن الاتفاقية "مخالفة لكل الاتفاقيات الدولية" وأعلنت أنها ستخاطب الدول المانحة للتنبيه على عدم قانونية تمويل أي مشروعات مائية، سواء على مجري النيل أو منابعه وإقناعها بعدم تمويل المشروع الذي سيتكلف نحو 4.8 مليار دولار أمريكي، حسب رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل مليس زيناوي. لكن إثيوبيا، وباقي دول اتفاقية عنتيبي، لم تعر احتجاجات القاهرة والخرطوم اهتماما ومضت بخطى حثيثة ودشنت في أول أبريل 2011 مشروع "سد الألفية الكبير" أو "سد النهضة" لإنتاج الطاقة الكهرومائية بولاية بني شنقول الإثيوبية القريبة من الحدود السودانية. ومن المتوقع أن يحجز السد، المزمع الانتهاء منه نهاية مايو الجاري، خلفه نحو 63 مليار متر مكعب من المياه. وبعد ثورة 25 يناير 2011،كانت قيادات شعبية مصرية قد طالبت بضرورة معالجة هذا الملف الحيوي والتعامل معه بموضوعية بعيدا عن "التعالي الذي اتسمت به طريقة تعامل حكومات الرئيس السابق حسني مبارك".ومن ثم أرسلت مصر في 29 أبريل 2011، وفد "الدبلوماسية الشعبية" المكون من قيادات سياسية وحزبية ومن شباب الثورة وشخصيات عامة لمناقشة مشروع السد الألفية. ومع وجود هذه المقدمات، بوغت المصريون بالقرار لصدوره بعد ساعات من زيارة الرئيس المصري محمد مرسي لأديس أبابا والتي التقى خلالها برئيس الوزراء الإثيوبي هايلى ماريام ديسالن، على هامش مؤتمر القمة الأفريقية  إن "الدراسات التي قدمها الجانب الإثيوبي بشأن السد لم تكن كافية لإثبات عدم الضرر على مصر من بناءه"، وهو ما سيدفع باللجنة الثلاثية إلى المطالبة بإجراء دراسات إضافية يقوم بها الخبراء الدوليون في اللجنة، وعددهم 4 خبراء".وتتكون اللجنة من 6 أعضاء محليين، (اثنان من كل من مصر والسودان وإثيوبيا)، و4 خبراء دوليين في مجالات هندسة السدود وتخطيط الموارد المائية، والأعمال الهيدرولوجية، والبيئة، والتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية للسدود. إن أجواء التعامل مع ملف السد تغيرت، حيث كان يتم في السابق التعامل مع هذا الملف على خلفية علاقات سياسية متوترة، وتفاعل سلبي بين الجانبين، في ظل وجود قطيعة على مستوى رأس الدولة منذ محاولة اغتيال مبارك عام 1995، لكن الأجواء تغيرت بعد ثورة 25 يناير، وأصبح هناك تفاعل على المستويين الرسمي والشعبي وزيارات متبادلة بين الجانبين. "إذا تمكنا من إقناعهم بملء البحيرة على 40 أو 30 عاما أو حتى 20 سنة، فإن ذلك سيقلل من الأضرار التي ستصيب كلا من مصر والسودان، أما إذا صمموا على أن تملأ في غضون خمس أو سبع سنوات فهذا يعني تجفيف ما بين 61 إلى 65 مليار متر مكعب كانت تصل إلى مصر والسودان من إجمالي 85 مليارا"، حسب عيسوي. ولم تفتح تركيا صنبور المياه إلا قليلا في عام 2009 على إثر مفاوضات بين الدول الثلاث، اشتكت خلالها سوريا والعراق من أن "سد أتاتورك يخنق البلاد" خاصة خاصة بعد أن سادت حالة من الجفاف آنذاك. باتت قضية المياه واحدة من أهم واخطر القضايا التي تواجه مصر في الوقت الراهن، بل والمستقبل ايضا وزاد من خطورتها مشروع اثيويبا في بناء شبكة من السدود علي النيل الازرق دون النظر الي مصلحة مصر والسودان كدولتي مصب ويوضح أن إثيوبيا هى عبارة عن هضبة مرتفعة، صعبة التضاريس حيث تصل أعلي نقطة بها إلي ٤٦٢٠ متراً فوق سطح البحر وأقل نقطة -122. وعلي الرغم من أن إثيوبيا تملك ٩ أنهار كبيرة، وأكثر من٤٠ بحيرة بينها بحيرة تانا، إلا أن نصيب الفرد السنوي فيها من المياه المخزنة يصل إلي ٣٨ متر مكعب فقط (مقابل 700 متر مكعب للفرد فى مصر)، بخلاف نصيبه من مياة الأمطار والتي تصل مقدارها سنوياً على إثيوبيا إلي ٩٣٦ مليار متر مكعب، يتبخر ٨٠٪ منها بسبب المناخ المداري وارتفاع درجة الحرارة ليجري على السطح ١٢٢ مليار متر مكعب فقط، ولا يبقي منها سوي ٢٥ مليار متر مكعب حيث يخرج ٩٧ مليار متر مكعب خارج الأراضى الإثيوبية توزيعها كالتالى: ٨٠ مليار متر مكعب إلي نهر النيل، و٨ مليار متر مكعب إلي كينيا و٧ مليار متر مكعب إلي الصومال وملياران إلي جيبوتى. وتعد إثيوبيا الدولة الوحيدة في الحوض التي لا تستقبل أي مياة من خارج أراضيها. وبعد انتهاء الحرب الأهلية في إثيوبيا تتجه أنظار الحكومة إلي التنمية الداخلية مما جعلها تفكر في مياه النيل.  ولا جدال أن إقامة هذه السدود تعد تحديا كبيرا يواجه الزراعة المصرية بإحداث عجز مائي ينتج عنه نقص في انتاج الغذاء، إضافة الي نقص الكهرباء المولدة من السد العالي وخزان أسوان والتي سوف تقل بحوالي 500 ميجاوات سنويا. تلك الأهمية دفعت وحدة دراسات السودان وحوض النيل بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام إلي عقد ندوة أدارها هانئ رسلان رئيس الوحدة استضاف فيها الدكتور محمد نصر علام وزير الري والموارد المائية السابق باعتباره كان مسئولا عن إدارة ملف هذه القضية في واحدة من اخطر مراحله بعد أن دبت الخلافات العميقة حول عدد من البنود الهامة والخطيرة والذي قدم ورقة تناولت مراحل القضية وموقف مصر منها.في البداية اشارت الورقة ان هناك مظاهر وهن في العصر الحديث ظهرت في مصر منها: تخلفها عن الركب العلمي والتكنولوجي انتشار الفساد وتدهور الخدمات، تخلف اقتصادي واجتماعي وثقافي، تدهور في ملفات السياسة الخارجية: فشل الوساطة المصرية (فلسطين، لبنان، الصومال، السودان)، صفر المونديال وغيرها.اضافة الي وجود تغيرات سياسية بدول حوض النيل مثل: بزوغ شمس أثيوبيا وأوغندا والدعم الدولي لهما، زيادة دور اسرائيل بدول المنبع وضعف التواجد المصري، الضغط علي مصر في ملفها الأهم وهو حوض النيل من خلال مبادرة حوض النيل. وقالت الورقة ان كميات الأمطار 1700 مليار متر مكعب يصل منها 84 مليار إلي مصر والسودان ثلثها بالهضبة الاستوائية، ومثله في جنوب السودان، والأخير في الهضبة الإثيوبية، وان 85% من تصرفات النهر الواردة من وإلي مصر والسودان تأتي من الهضبة الأثيوبية، 15% يأتي من الهضبة الاستوائية وجنوب السودان، إضافة لمصادر أخري بمعظم دول الحوض،فواقد البرك والمستنقعات في الحوض تصل إلي 150 مليار متر مكعب سنويا، تأثير مشاريع الهضبة الاستوائية علي حصتي مصر والسودان محدودة ولا تتعدي 10-15%، وتأثير مشاريع الهضبة الإثيوبية والسودان بالغة علي مصر وتبلغ حوالي 90%. اما الوضع المائي المصري فان نهر النيل هو المورد الرئيسي للمياه في مصر بحصة سنوية مقدارها 55.5 مليار متر مكعب والأمطار لا تتعدي مليار متر مكعب في السنة علي الساحل الشمالي وساحل البحر الأحمر وبعض مناطق سيناء فيما المخزون الجوفي في الصحراء الغربية غير متجدد ولا يسمح بأكثر من 3-5 مليار متر مكعب سنوياً لمدة 50 – 100 عاماً التحلية تكلفتها عالية ولا يزيد كمياتها حالياً عن 200 مليون متر مكعب ولكن الإحتياجات المائية تزيد علي 75 مليار متر مكعب سنوياً بما يفوق كثيراً الموارد المتاحة بـ 30% ويتم تغطية العجز عن طريق إعادة الإستخدام نصيب الفرد من المياه أقل من 700 متر مكعب سنويا، وقد بلغت الفجوة الغذائية إلي 6 مليار دولار عام 2009 والأن أكثر نتيجة لزيادة أسعار المحاصيل وللزيادة السكانية، ولكن مع 2050 والزيادة السكانية فان نصيب الفرد 350 متر مكعب سنويا.  وحول تأثير مشاريع أعالي النيل تتمثل في: فقدان مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، إنخفاض كهرباء السد العالي وخزان أسوان وقناطر إسنا ونجع حمادي، توقف العديد من محطات مياه الشرب التي علي النيل والعديد من الصناعات، تأثر محطات الكهرباء التي تعمل بالغاز وتعتمد علي التبريد من مياه النيل، تدهور نوعية المياه في الترع والمصارف، تداخل مياه البحر في المنطقة الشمالية، وتدهور نوعية المياه في البحيرات الشمالية.  وقال ان تنظيم استخدامات مياه النهر حددته العديد من الاتفاقات والمعاهدات الدولية بما يحافظ علي بقاء دولتي المصب واعتمادهما الكامل علي النهر وهي: بروتوكول 1891 بين بريطانيا وإيطاليا بعدم إقامة أي منشآت علي نهر عطبرة،معاهدة 1902 الحدودية بين إمبراطور إثيوبيا وبريطانيا لعدم إقامة أي منشآت علي النيل الأزرق أو السوباط دون موافقة مصر والسودان، إتفاقية 1906 بين بريطانيا والكونغو بعدم إقامة أي منشأت علي نهر سمليكي، إتفاقية 1929 بين مصر وبريطانيا ممثلة لدول الهضبة الإستوائية والسودان بعدم إقامة أي مشروعات علي النيل أو روافده أو البحيرات إتفاقية 1934 بين بريطانيا وبلجيكا لتنظيم إستخدامات المياه علي نهر كاجيرا، المذكرات المتبادلة بين مصر وبريطانيا 1952 - 1953 لإنشاء سد أوين في إطار إتفاقية 1929، إتفاقية مصر والسودان لعام 1959.
- تأثير السدود الإثيوبية علي مصر
وحول تأثير السدود الاثيوبية علي مصر قال ان هناك عنصرين رئيسيين يتمثلان في السعة التخزينية للسد وفي استهلاك المياه في الزراعات المروية، فكلما زادت السعة التخزينية وزادت المساحة المروية زادت الاثار السلبية. السعة التخزينية للسدود ستكون خصما من مخزون المياه أمام السد العالي الذي يستخدم لسد العجز المائي لا يراد النهر في السنوات التي يقل فيها الايراد عن قيمته المتوسطة، وبالتالي سيظهر بعد إنشاء هذا السدود ظاهرة الجفاف والعجز المائي في سنوات الفيضان المنخفضة كما كان الوضع قبل بناء السد العالي، أما المياه التي سوف تستخدم للري ستكون خصما مباشرا من حصتي مصر والسودان السنوية. والعنصر الثانوي الذي قد يؤثر أيضا في ايراد النهر ولكن بدرجة أقل كثيرا يتمثل في السياسة التشغيلية للسدود.  وقد أظهرت نتائج الدراسات المصرية الحديثة للسدود الأثيوبية أنه حتي في حالة قيام أثيوبيا بإنشاء هذه السدود وملئها خلال فترة 40 عاما كاملة فانها سوف تتسبب في حدوث عجزا مائيا لدولتي المصب أثناء سنوات الملء وأن هذا العجز سوف يحدث مرة علي الأقل كل 4 سنوات ويصل العجز المائي الي 8 مليار متر مكعب في السنة كحد أقصي وذلك في حصة مصر وحدها ويحدث عجزا مماثلا في حصة السودان، وسوف تقل الكهرباء المولدة من السد العالي وخزان أسوان بحوالي 20% سنويا (600 ميجاوات سنويا).  وبعد الفترة المقترحة للإنشاء والملء واستخدام السدود لتوليد الطاقة فقط فان نسبة حدوث العجز سوف تقل الي مرة كل 8 سنوات مع زيادة في قيمة العجز الأقصى من 8 مليار متر مكعب الي 14 مليار متر مكعب من حصة مصر وحدها ومثلها السودان ويصبح متوسط النقص في انتاج كهرباء السد العالي وخزان أسوان حوالي 500 ميجاوات في السنة. أما في حالة استخدام مياه السدود في الأغراض الزراعية فسوف يزداد نسبة حدوث العجز المائي ليصبح مرتين كل 5 سنوات بواقع (مرة كل 2.5 سنة) ويصل العجز الي 19 مليار متر مكعب سنويا كحد أقصي في حصة مصر ومثلها السودان (أكبر من اجمالي حصة السودان التي تبلغ 18.5 مليار متر مكعب)، ويقل انتاج الكهرباء من السد العالي وخزان أسوان بحوالي 1000 ميجاوات سنويا.  وفي الأونة الأخيرة أطلقت أثيوبيا اسم سد النهضة أو سد الألفية علي سد بوردر بسعة تصل أكثر من 60 مليار متر مكعب وبارتفاع يصل الي 150 مترا وقدرة توليد كهربية تزيد عن 5000 ميجاوات أي أكثر من ضعف السد العالي مما يضاعف من أثاره السلبية علي كل من مصر والسودان. ومن الملفت للنظر أن دراسات وتصميمات هذا السد قد تمت في سرية تامة وفي غفلة من مبادرة حوض النيل وبدون علم مصر والسودان.  فيما أكد هنري فيرهوفن طالب الدكتوراه بجامعة اكسفورد بالمملكة المتحدة في بحث نشره المعهد الملكي البريطاني للشئون الدولية يونيو 2011: ان السدود الأثيوبية تمثل مكونارئيسيا من إستراتيجية أثيوبية قومية لتحويل أثيوبيا من دولة ضمن أشد دول العالم فقرا حاليا حيث يقع ترتيبها رقم 171 من 182 دولة علي مستوي العالم الي مصاف الدول متوسطة الدخل بحلول فترة 2020-2025. تقدر كميات الطاقة الكهرومائية التي يمكن توليدها علي الأنهار المختلفة في أثيوبيا، حوالي 45000 ميجاوات منها 20000 ميجاوات من النيل الأزرق وروافده.  اضافة الي أهداف أخري منها اعطاء دور القيادة لأثيوبيا في منطقة القرن الأفريقي وحوض النيل، واحتكار الطاقة الكهربية في المنطقة، واستغلال السدود في الزراعات المروية في أثيوبيا وخاصة في حوض النيل الأزرق باحتياجات مائية في حدود 5 مليار متر مكعب سنويا.
- خريطة الطريق
ان السودان شمالا وجنوبا أهم شريك لمصر في المستقبل المنظور فكلاهما يحتاج لدعم وخبرة واستثمارات مصر، لديهما الموارد المائية والتي من الممكن أن تزيد ايراد النهر، وبهما الأراضي الصالحة للزراعة والرعي، وبهما ثروات من المواد الخام، يمثلان سوقا واعدة للصناعة المصرية الناهضة وللعمالة المصرية الماهرة،ان الوحدة بينهما ستؤدي الي إجهاض مايحاك حاليا عل المستوي الاقليمي والدولي لتقطيع أوصال السودان واجهاض محاولات الوقيعة بين البلدين للاستفراد بهما واحد بعد الأخر. ضرورة قيام الهيئة الفنية المشتركة بالبلدين بمناقشة الأثار السلبية للسدود الأثيوبية عليهما واستعراض نتائج الدراسات المصرية والسودانية في هذا الشأن وتوحيد الرؤي نحو هذه السدود من منطلق اطار اتفاقية 1959 التي تحكم العلاقة المائية بين البلدين.
- أهمية السدود لأثيوبيا
وعن اهمية السدود التي تنوي أثيوبيا إقامتها قالت الورقة انها تمثل حلما أثيوبيا قديما للتحكم في مياه النيل الأزرق، تحقيق أرباح من خلال تصدير الطاقة الكهربائة للدول المجاورة، ان تصبح أحد المصادر الرئيسية للدخل القومي بالعملة الصعبة للمساهمة في نقلة اقتصادية واجتماعية لأثيوبيا تعظيم دورها السياسي بالقرن الأفريقي وحوض النيل كمنتج رئيسي للطاقة في المنطقة. صافي ربح سد مندايا وحده يصل 7 مليار دولار من خلال انتاج الكهرباء وتصديرها الي دول الجوار، قد تزيد الأرباح عن ذلك كثيرا لسد النهضة الذي يفوق سد مندايا في السعة وفي انتاج الكهرباء. ولكن عادت الورقة واوضحت انه لن تكون هناك جدوي اقتصادية لهذه السدود بدون مباركة مصر والسودان لهذا المخطط وشرائهما جزءا كبيرا من كهرباء هذه السدود. لا يتوفر لأثيوبيا حاليا، البنية الأساسية والشبكات اللازمة لاستيعاب ونقل واستخدام معظم الكهرباء الناتجة عن هذه السدود. بدون مشاركة مصر والسودان لا يوجد مستخدم اخر لهذه الكميات الضخمة من الكهرباء الا من خلال نقلها عبر أراضي السودان أو مصر. عدم مشاركة مصر والسودان سيؤدي حتما الي تعطيل مخطط انشاء السدود الأثيوبية علي الأقل حتي يتم استكمال البنية التحتية الأثيوبية الكافية لاستيعاب كميات الكهرباء الضخمة التي ستولدها هذه السدود، وقد يستغرق ذلك عدة عقود من الزمن. مع العلم ان التحرك المصري الدولي والاقليمي نحو قضية السدود كان قد بدأ بالفعل منذ النصف الثاني من العام المنقضي. وقد رفضت مصر دراسات الجدوي لهذه السدود لعدم الأخذ في الاعتبار الاثار السلبية علي دولتي المصب. كما تم ارسال ملاحظات مصر علي الأثار السلبية لهذه السدود الي سكرتارية مبادرة حوض النيل، والي المكتب الفني لحوض النيل الشرقي، والي البنك الدولي والسوق الأوربية، والي الاستشاري الكندي لمبادرة حوض النيل، والي المكتب الاستشاري النرويجي الذي يقوم بدراسات الجدوي والدراسات التصميمية للسدود. الاستمرار في الحوار مع المانحين ومع الصين توضيحا للأثار السلبية العديدة لهذه السدود وتأثيراتها العنيفة علي كل من مصر والسودان وأن هذا الموقف ليس ضد التنمية في أثيوبيا بل حماية لحقوقنا المائية ومستقبل أمتنا.  حددت الورقة ايضا محاور الرؤية الخاصة بالسدود الأثيوبية في: الحوار مع أثيوبيا حول مخطط السدود كلها وليس سدا واحدا فقط وأثارها السلبية علي دولتي المصب، طرح بدائل فنية للسدود الأثيوبية الضخمة لا تسبب أضرار مؤثرة علي دولتي المصب، مقاطعة مصر والسودان للسدود وعدم المشاركة فيها، التواصل مع المجتمع الدولي وخاصة الجهات المشاركة في تمويل أو تنفيذ هذه السدود والقوي السياسية حول أثار هذه السدود السلبية. كما ان الاتفاقية الاطارية لمبادرة حوض النيل في شكلها الحالي لا يمكن لمصر توقيعها لنواقصها العديدة، لا تعفي هذه الاتفاقية دول المنبع من التزاماتهم القانونية في الاتفاقيات القائمة نحو مصر والسودان، الاتفاقية الاطارية في وضعها الحالي بدون مشاركة مصر والسودان تفقد معظم مميزاتها لدول المنبع لأنها لا تحقق لهم التحلل من الاتفاقيات القديمة القائمة مع كل من مصر والسودان ولا تحقق لهم الا مكاسب سياسية محلية محدودة. ايضا الدول التي وقعت الاتفاقية الاطارية منهم خمسة في الهضبة الاستوائية يجمعهم بالفعل تجمع دول شرق أفريقيا ولن تضيف لهم في رأيي أي جديد، وهناك أيضا تجمع مماثل لدول بحيرة فكتوريا ليست له الفاعلية المأمولة بالرغم من مرور سنوات طويلة علي انشائه. والدولة السادسة التي وقعت علي الاتفاقية الاطارية هي أثيوبيا والتي لا تشترك مع الدول الاستوائية في الحوض المائي بل تقع هي واريتريا في منبع الحوض الشرقي لنهر النيل وليس بينها وبين بقية دول المنبع الأخري أي قواسم مشتركة داخل الحوض. من صالح دول المنبع قبل دولتي المصب العودة الي مائدة المفاوضات للاتفاق حول النقاط العالقة في الاتفاقية الاطارية والعودة العادلة الواعدة لن تتأتي الا بالاتفاق أولا بين دول الحوض علي تجميد الاتفاقية لفترة زمنية معقولة يتم الاتفاق عليها يتم خلالها العودة الي التفاوض الجاد حول النقاط العالقة.في حالة رفض دول المنبع العودة للمفاوضات الجادة فانني أري أن تقوم مصر بالتنسيق والمشاركة مع السودان باغلاق ملف الاتفاقية الاطارية نهائيا وعدم الالتفات الي أي مناقشات حولها وفي حالة العودة الي المفاوضات فانني أري أنه هناك عدة مرتكزات للتفاوض تشمل مايلي: حق جميع دول الحوض استغلال مياه النهر للتنمية الاقتصادية لمجتمعاتهم.أن الوضع المائي في دولتي المصب حرج جداً بل أن العديد من الاحتياجات المائية الحالية في مصر لا يتم الايفاء بها حاليا، أن مبدأ عدم الاضرار لا معني له وغير قابل للتطبيق بدون الاقرار بالممارسات التاريخية لاستغلال مياه النهر لدول الحوض كافة، ان تضمين الاجراءات التنفيذية للأخطار المسبق في الاتفاقية الاطارية ضرورة قصوي لاجراءات التفاوض والموافقة علي أي مشاريع تقام علي الأنهار المشتركة، أن المشروع الأهم في حوض النيل هو إستقطاب الفواقد المائية الهائلة والتي تزيد عن 150 مليار متر مكعب ويجب الأعداد لهذا المشروع وتسويقة للجهات المانحة وأن يكون هذا المشروع مدخلاً لاقامة محاور تنمية رئيسية في دول المنبع وأن يكون هناك توافقا بين دول الحوض علي تعريف مبدأ التوافق والذي شهد انقساما كبيراً في تعريفه ما بين دول المنبع ودولتي المصب في اجتماعات المبادرة.  لقد أدت المشاكل المصاحبة للاتفاقية الاطارية الي:توقف اجتماعات حوض النيل الشرقي، غابت مصر والسودان عن جميع اجتماعات النيل الجنوبي، وأصبحت اجتماعات المجلس الوزاري واللجنة الفنية الاستشارية مظهرا لانقسام دول الحوض مابين دول المنبع ودولتي المصب. تعمل دول المنبع علي التصديق المنفرد علي الاتفاقية الإطارية لتحويل المبادرة إلي مفوضية لإعادة توزيع الحصص المائية في غياب دولتي المصب، وسيتم نقل جميع أصول المبادرة إلي المفوضية المزمع إنشاءها بدون مصر والسودان. في حالة عدم الوصول إلي اتفاق مناسب مع دول المنبع للعودة إلي مائدة التفاوض وإصرار هذه الدول علي الاتفاقية الإطارية بشكلها الحالي، فأنني أري الانسحاب الكامل من المبادرة وذلك بالتنسيق مع السودان، أو علي الأقل الإعلان رسميا علي تعليق العضوية وتجميد المشاركة في الأنشطة علي نحو ما سبقتنا إليه السودان. لا يعني ذلك عدم تعزيز العلاقات مع دول الحوض أو وقف برامج التعاون الثنائية معه. وقد حظيت الورقة بمناقشات مستفيضة استمرت حوالي أربع ساعات متصلة تناولت مختلف الجوانب الفنية والقانونية والسياسية والاقتصادية، علي وعد بعقد لقاءات أخري لتغطية كل وجهات النظر المطروحة، سعيا وراء رؤية موضوعية متوازنة تحمي حقوق مصر وأمنها ولا تتصادم مع تطلعات وطموحات باقي دول الحوض في اطر معادلة تعاونية تحقق المنفعة للجميع وليس لطرف علي حساب إطراف أخري.
خلاصة
القول أن المشكلة الحالية تكمن في أن إثيوبيا تعاني بالفعل نقصاً شديدا في المياة وهي أكثر دول الحوض معاناة من نقص المياة رغم أنها المساهم الرئيسي في مياة النيل. كما أن طبيعة الأراضي الإثيوبية لاتصلح لإقامة سدود كبري لتخزين المياه مهما كانت التكنولوجيا المستخدمة، وإذا افترضنا ذلك فكيف يتم نقل المياة المخزنة إلي المناطق الوعرة التضاريس؟ أنه بالتالي لا داعي للذعر الذي تسببت فيه بعض وسائل الإعلام في الفترة الأخيرة. وفي نفس الوقت فالمشكلة ليست هينة وهناك تصدع حقيقي في علاقة مصر بدول الحوض. وبناء علي هذه الحقائق يأتي تعامل مصر مع إثيوبيا وبقية دول حوض النيل مبنياً علي روح الأخوة الأفريقية والتعاون المشترك لا للإبتزاز السياسي. وأن يستمر دور مصر في التعاون وتقديم يد العون والمساعدة للدول الأفريقية وخاصة دول حوض النيل، ليس في مجال تنمية الموارد المائية فقط، بل في شتى المجالات الأخرى مثل التعليم والزراعة التجارة والصناعة وغيرها. ومفتاح الحل للأزمة الحالية يبدأ من إثيوبيا وإعطائها الأولوية عند إقامة مشروعات مائية في دول الحوض. تعد إثيوبيا من الدول التي بها أدنى معدلات الحصول على الكهرباء في العالم، حيث يصل جملة ماتنتجه إثيوبيا أقل من 1000 ميجا وات (80 من الإثيوبيين يعيشون بدون كهرباء). أنه لن يؤثر علي حصة مصر والسودان أن تقام بعض المشروعات المائية الصغيرة التي تتناسب مع الظروف الطبيعية الإثيوبية لتوليد الكهرباء للاستفادة من المناطق شديدة الانحدار، أو لإقامة بعض المشروعات الزراعية المطرية أو المروية التى في الأغلب ستكون محدودة المساحات نظراً للطبيعة الجيولوجية والتضاريسية الصعبة. "لايجوز لإثيوبيا أن تقوم بتحويل رافد في نهر دولي تتشاطر فيه 9 دول أخرى فالمسألة ليست مصر والسودان لأن الأنهار الدولية تحكمها قوانين وأعراف وأي مساس بحصص المياه يتطلب إخطارا مسبقا وضمانات بعدم الإضرار".ويقول خبراء إنه بحلول عام 2050 ستحتاج مصر إلى 21 مليار متر مكعب فوق حصتها الحالية لسد احتياجات سكانها الذي يتوقع أن يصل إلى 150 مليون نسمة من المياه.
طب والحل ؟
قدامنا حلين..الحل الأول العنف..وده كان الإتجاه أيام النظام السابق..وكان فيه تهديدات لأثيوبيا بضرب السد عسكريا..والتوتر والتصعيد أدى لأن أثيوبيا تعند أكتر وتكمل وكمان رفضت تورينا التصميمات والدراسات اللى هى عاملاها...مش بس كده..مشيت فى الاتفاقية الإطارية سنة 2010 بتاعة توزيع مياه النهر مع بقية الدول الافريقية لأنها متهمة مصر والسودان بأنهم بياخدوا أكتر من حقهم فى مية النيل طبقا لإتفاقية سنة 1929 اللى عملها الإنجليز وبتدى مصر والسودان هيمنة على نهر النيل...ومصر والسودان اعترضوا على اتفاقية 2010 ومارضيوش يمضوها..مصر معترفة ان اتفاقية 29 مش عادلة بس المشكلة ان ماعندناش مصدر تانى يعتمد عليه للمية وابتداءا من سنة 2017 مية نهر النيل مش هاتكفينا لوحدها حتى فى ظل اتفاقية 1929..مابالنا لو نقصت حصتنا من المية..لكن بعد كده السودان اتفاهمت مع اثيوبيا ووافقت على الاتنين..سد أثيوبيا واتفاقية النهر بشكل مبدئى التصعيد العسكرى والعنف مش هاينفع لأنك هاتورط نفسك وجيشك..وعندك السد بتاعك اللى ممكن يتضرب برضه وهاتبان قدام العالم انك معتدى..وهم عندهم 4 سدود تانيين غير ده..هاتضربهم برضه ؟ وكل ما دولة تعمل سد هاتضربهولها ؟
الحل التانى هو التفاهم والتعاون والاستفادة...اذا كان فيه ضرر من السد..وده هايبقى بناءا على رأى لجنة دولية فيها خبراء محايدين شغالة دلوقتى..هايبقى موقفك قوى انك تاخد ضمانات واحتياطات..وممكن تاخد منهم كهربا ببلاش أو سعر قليل وخبراءك يروحوا على حسابك يساعدوا فى التعديلات الهندسية اللى تضمن ان مصر ماتتأثرش من ناحية المية..وفى نفس الوقت اتفاهم معاهم فى اتفاقية التوزيع العادل لمياه النهر...وقدم لهم اللى يغريهم علشان حصتنا من المية ماتقلش.. والأهم من ده كله انك تحسن علاقتك بيهم بشكل مستمر وتتغلغل جوه افريقيا بقوة مصر الناعمة علشان الدول دى تحس انك صديق لهم مش عدو...وده اللى كان عبد الناصر بيعمله ومبارك أساء فيه خصوصا من ساعة محاولة اغتياله فى أديس أبابا...وده اللى مرسى بدأ فيه من أول يوم توليه للحكم وحرص السنة دى كمان انه يروح لهم ويتكلم معاهم فيه..رغم انه كان لسه حاضر المؤتمر الافريقى هناك من كام شهر.. وده انعكس على تصريحات كريستوس وزير الدولة الأثيوبى للشئون الخارجية بعد زيارة مرسى الأخيرة لما قال: «لدينا علاقات ممتازة حاليا مع مصر، لكن النظام المصري في الماضي لم يكن يبذل جهدا في البحث عن التعاون معنا والمصلحة المشتركة للشعبين، ولم يكن هناك أي نوع من أنواع التعاون المشترك الذي يعود بالمصلحة على البلدين، ولم يلعب النظام السابق دورًا جيدًا في تعزيز العلاقات مع إثيوبيا، وجعلها مفيدة».وتابع أن العلاقات بين البلدين الآن تسير في الاتجاه الإيجابي والصحيح، وهناك تفهم لدى النظام الحالي بأهمية أن تقوم العلاقات بين البلدين على أساس المنفعة المشتركة من أجل ازدهار مصر وإثيوبيا، مشيرًا إلى أنه تم الاتفاق على تبادل الزيارات بين المسئولين من الجانبين.."
أهم القواعد التي تحكم استخدام الأنهار الدولية في غير أغراض الملاحة:
ليس ثمة شك في أن استغلال الأنهار الدولية، وتحديد حصص الدول المشاطئة للنهر، يتعين أن يتما وفقا للأحكام العامة للقانون الدولي المكتوبة أو المستقرة عرفا، ما لم تكن هناك اتفاقيات خاصة ثنائية أوجماعية بين دول مجري النهر تنظم هذه الأمور، حيث تكون لها الأولوية في التطبيق، أخذا بمبدأ أن الخاص يجب العام، والتزاما بمبدأ قدسية العهود والمواثيق. ولما كان الواقع يشير إلى اختلافات لا حصر لها في الظروف والأحوال والاعتبارات المحيطة بكل نهر دولي عن سواه من الأنهار الدولية، بحيث إن كل نهر منها يعد نموذجا فريدا في ذاته، وإن تشابه في بعض الجوانب مع غيره، فإنه يكون من البدهي ألا تكون هناك قواعد قانونية دولية موحدة تصلح للتطبيق على كل الأنهار الدولية في آن واحد، وإنما قواعد عامة يأخذ منها ذوو المصلحة ما يرونه ملائما، ويدعون ما يرونه غير ملائم. ومن ثم، فقد كان العرف الدولي هو المصدر الأكثر قدرة على تقديم هذه القواعد العامة.
والحق أن ثمة مجموعة من القواعد القانونية العامة التي تنظم استغلال الأنهار الدولية، نشأت في سياق العرف الدولي، ثم تأكدت في الاتفاقيات الدولية، ومن خلال أحكام القضاء. كما شهدت الممارسة الدولية العديد من الاتفاقيات التي اعترف أطرافها صراحة أو ضمنا بالحقوق المتساوية للأطراف فيما يتعلق باستخدام مياه النهر الدولي، والاستفادة منه.
وإذا كان مبدأ الانتفاع المنصف بمياه الأنهار الدولية يحظي بالقبول العام في الفقه والعمل الدوليين المعاصرين، فإن كيفية تطبيقه لا تحظي بالقبول  نفسه، فليس ثمة اتفاق -جازم- على الأسس التي يتعين مراعاتها لتحقيق هذا المبدأ، حيث يتصل الانتفاع بمياه الأنهار الدولية بالعديد من العوامل المترابطة، التي هي في مجملها عوامل شديدة الحساسية من زاوية حاجات الشعوب التي تعتمد على هذه المياه.بيد أن هذا لم يمنع من وجود محاولات فقهية جادة سعت لصياغة بعض القواعد العامة التي يمكن الاسترشاد بها لوضع هذا المبدأ موضع التنفيذ. وقد صدرت هذه المحاولات جميعها عن مبدأ حسن الجوار، الذي تبدو الحاجة إلى الأخذ به ملحة في إطار علاقات الدول المشاطئة لنهر دولي واحد
ولعل أهم المحاولات الفقهية وأشهرها في هذا الصدد هي تلك التي وضعتها جمعية القانون الدولي عام 1966، فيما عرف بقواعد هلسنكي، والتي تبنت مبدأ الانتفاع المنصف في مادتها الرابعة، ثم صاغت مادتها الخامسة أسس هذا الانتفاع. ولقد بلورت قواعد هلسنكي أهم العوامل التي يجب مراعاتها عند تحديد الانتفاع المنصف، وذلك على سبيل المثال وليس الحصر، تجنبا لوضع قواعد ثابتة في موضوع شديد الحساسية.
ويكشف الواقع الدولي عن حالات لتنازع أولويات "الانتفاع المنصف" بمياه الأنهار الدولية. فقد ترغب إحدي الدول المشاطئة، وهي بصدد تنفيذ بعض برامج التنمية فيها، في الحصول على نصيب أكبر من مياه النهر، يزيد على ذلك الذي كانت تحصل عليه من قبل، الأمر الذي يؤثر بلاشك في حصة الدول المشاطئة الأخرى. ومن ثم، يثور التساؤل حول أولوية الانتفاع بمياه النهر، وهل يكون للاستخدامات القائمة والحقوق التاريخية، أم للاستخدامات المحتملة والاستعمالات المستقبلية؟.
ومما لا شك فيه أن التطبيق السليم لمبدأ الانتفاع المنصف يقتضي أن تلتزم كافة الدول المشاطئة للنهر الدولي بأن تتعاون فيما بينها لتحقيق أقصي انتفاع ممكن بمياه هذا النهر، وهو ما يستقيم مع طبيعة النهر الدولي كمورد مشترك بين هذه الدول، كما يستقيم مع مبدأ حسن النية الذي يفترض أن يحكم العلاقات المتبادلة بينها. ولقد أكدت العديد من المعاهدات الدولية الخاصة بالأنهار هذا الالتزام، من ذلك - على سبيل المثال - اتفاقية 1959 بين مصر والسودان، التي تعد نمطا مثاليا في هذا الصدد، ومعاهدة 1961 بين الولايات المتحدة الأمريكية وكندا بخصوص تنمية موارد مياه حوض نهر كولومبيا، واتفاقية 1963 بين دول حوض نهر النيجر.
أما فيما يتعلق بموقف اتفاقية الأمم المتحدة من مبدأ الانتفاع المنصف، فقد وضعت المادة الخامسة من الاتفاقية هذا المبدأ كحجر أساس للقانون في هذا الصدد، وجاءت المادة السادسة تشير في فقرتها الأولي إلى العوامل والظروف التي يتعين أخذها في الحسبان عند تحديد الانتفاع المنصف بمياه النهر. أما المادة السابعة، فجاءت تعالج الالتزام بعدم التسبب في ضرر ذي شأن، وهو الالتزام الذي ربما كان من أكثر أحكام الاتفاقية إثارة للجدل والخلاف، حيث ظهر في صدده بجلاء تباين المواقف بين دول المنبع ودول المصب.
وقد جاء نصها على النحو التالي:
1- تتخذ دول المجري المائي، عند الانتفاع بمجري مائي دولي داخل أراضيها، كل التدابير المناسبة للحيلولة دون التسبب في ضرر ذي شأن لدول المجري المائي الأخرى.
2- ومع ذلك، فإنه متي وقع ضرر ذو شأن لدولة أخرى من دول المجري المائي، تتخذ الدول التي سبب استخدامها هذا الضرر، في حالة عدم وجود اتفاق على هذا الاستخدام، كل التدابير المناسبة، مع المراعاة الواجبة لأحكام المادتين الخامسة والسادسة، وبالتشاور مع الدول المتضررة، من أجل إزالة هذا الضرر أو تخفيفه، والقيام، حسب الملاءمة، بمناقشة مسألة التعويض".
وجاءت المادة الثامنة من الاتفاقية تنص على التزام عام بالتعاون بين دول المجري المائي المشترك من أجل تنفيذ الالتزامات النابعة عن الاتفاقية وتحديد أهدافها، وتدعو الأطراف إلى إنشاء آليات ولجان مشتركة لتيسير التعاون فيما بينها، تاركة لها السلطة في تقدير مدى ملاءمة الدخول في مثل هذه الترتيبات.ويرتبط بهذا الالتزام التزام آخر يقع على عاتق الدول النهرية بالإخطار عن المشروعات التي تعتزم القيام بها، ويترتب عليها الإضرار بدولة أو دول نهرية أخرى. وهو الالتزام الذي يؤدي العمل به إلى تجنب كثير من المنازعات المحتملة بين الدول النهرية.
ولعله من المهم في هذا السياق أن نشير إلى أنه إذا كان من حق الدول النهرية قانونا أن تقيم سدودا على الجزء من النهر المار بإقليمها، فإن ثمة قيدين جوهريين يردان على هذا الحق، هما عدم التسبب في إلحاق ضرر بباقي دول النهر، والالتزام بإجراءات الإخطار المسبق، والمتمثلة في وجوب قيامها بإرسال كل الدراسات والبيانات الفنية المتعلقة بالسد إلى جميع دول المجري المحتمل تضررها من إنشائه، مع التزامها قانونا بعدم البدء في الإنشاء، حتي تتمكن هذه الدول من دراسة وتقييم الآثار المحتملة في فترة معقولة.
ثانيا- الوضع القانوني لنهر النيل وحقوق الدول المشاطئة:
ليس ثمة شك في أن غياب اتفاقية تضم كل الدول الإحدي عشرة المشاطئة لنهر النيل، وغياب هيئة دولية دائمة لإدارة النهر وتطوير الانتفاع به، وإعلان بعض دول المنابع كإثيوبيا أحيانا عن تحفظها بالنسبة لما تسميه حقوقها في مياهه، إنما يطرح تساؤلات حول حقوق والتزامات كل دولة من هذه الدول، والقواعد التي تحكم الانتفاع المنصف بمياه النهر، وأولويات هذا الانتفاع عند تعارض الاستخدامات، وأسلوب التنسيق والإدارة المشتركة لهذه المياه، مقارنة بالمعمول به في العديد من الأنهار الدولية الأخرى، وما إذا كانت هناك وسيلة لتطوير الانتفاع بالنهر لتحقيق المنفعة المشتركة للدول المشاطئة دون إضرار بحقوق بعضها بعضا أم لا.
ولما كانت مصر، من بين كل دول حوض النيل، إضافة إلى كونها دولة المصب، تعتمد على النيل كمصدر رئيسي، أو بالأحري كمصدر وحيد للمياه المستخدمة في أغراض الشرب والزراعة، فإن أي اقتطاع للمياه في أعالي النيل، بما يستتبعه من انخفاض في كميات المياه المتاحة لمصر، سيترتب عليه ضرر بليغ بها، وهو ما يتعارض مع مقتضيات مبدأ الانتفاع المنصف، على ما تقدمت الإشارة.وسنسعي في هذا الجزء إلى استعراض الوضع القانوني لنهر النيل، في ضوء مبدأ الانتفاع المنصف والمعقول، والاتفاقات الخاصة بتنظيم استغلال مياهه.
الاتفاقيات الخاصة بتنظيم استغلال مياه نهر النيل:
ليس معني ما تقدم من القول بغياب اتفاقية عامة تضم كل الدول المشاطئة لنهر النيل أن هذه الدول لم تصل بعد إلى اتفاقيات تحكم تفاصيل تعاونها اللازم أو تعهداتها بشأن مياهه. فالواقع أنه توجد كثير من هذه المواثيق التي ترتبط بها بعض دول الحوض مع بعضها بعضا ، من ذلك:
1- البرتوكول الموقع بين بريطانيا وإيطاليا سنة 1891 بشأن تحديد مناطق نفوذ كل منهما في شرق إفريقيا، والذي نصت المادة الثالثة منه على أن إيطاليا  صاحبة السيادة على الحبشة آنذاك، تتعهد بألا تقيم على نهر عطبرة أية إنشاءات للري، من شأنها أن تؤثر تأثيرا محسوسا في كمية مياه نهر عطبرة التي تصب في نهر النيل.
2- مجموعة المعاهدات المعقودة بين بريطانيا وإثيوبيا، وبينها وبين إيطاليا وإثيوبيا بشأن الحدود بين السودان المصري - البريطاني وإثيوبيا وإريتريا، والموقعة في أديس أبابا في 15 مايو1902، والتي يتعهد الإمبراطور مينليك الثاني، ملك ملوك الحبشة، بموجبها بألا ينشئ أو يسمح بإنشاء أية أعمال على النيل الأزرق أو بحيرة تانا أو نهر السوباط، يكون من شأنها تعطيل سريان مياهها إلى نهر النيل إلا بالاتفاق مع حكومة بريطانيا وحكومة السودان المصري - البريطاني.
3- الاتفاق المبرم بين بريطانيا وحكومة دولة الكونغو، والموقع في لندن في 9 مايو 1906، والذي تتعهد الكونغو بموجب المادة الثالثة منه بألا تقيم أو تسمح بإقامة أية منشآت قرب أو على نهر سميليكي أو نهر آيسانجو، يكون من شأنها تخفيض كمية المياه التي تصب في بحيرة آلبرت إلا بالاتفاق مع حكومة السودان المصري -  البريطاني.
4- المذكرات المتبادلة بين بريطانيا وإيطاليا في ديسمبر 1925، والتي تعترف فيها الحكومة الإيطالية بالحقوق المائية السابقة (التاريخية) والمكتسبة لمصر والسودان في مياه النيل الأزرق والنيل الأبيض، وتتعهد بألا تنشئ في أقاليم أعالي تلك الأنهار أو فروعها أو روافدها أية منشآت من شأنها تعديل كمية المياه التي تحملها إلي نهر النيل بشكل محسوس.
5- اتفاقية مياه النيل بين مصر وبريطانيا بالنيابة عن السودان، وكينيا، وتنجانيقا - تنزانيا - وأوغندا في عام 1929، والتي تقضي بتحريم إقامة أي مشروع من أي نوع على نهر النيل أو روافده أو البحيرات التي تغذيها كلها إلا بموافقة مصر، لاسيما إذا كانت هذه المشروعات ستؤثر في كمية المياه التي كانت تحصل عليها مصر، أو في تواريخ وصول تلك المياه إلى مصر. والحق أن  هذا الاتفاق، الذي أخذ شكل المذكرات المتبادلة بين مصر وبريطانيا، يعد علامة بارزة في تاريخ نهر النيل، حيث أظهر اعتراف الأطراف بمبدأ الحقوق المكتسبة، كما حظي فيه مبدأ التوزيع المنصف أيضا بالاعتراف.
6- اتفاقية لندن المبرمة بين بريطانيا (نيابة عن تنجانيقا) وبلجيكا (نيابة عن رواندا وبوروندي) في 23 نوفمبر 1934، والتي تقضي مادتها الأولي بأن يتعهد الطرفان بأن يعيدا إلى نهر كاجيرا قبل وصوله إلى الحدود المشتركة لكل من تنجانيقا ورواندا وبوروندي أية كميات من المياه، يكون قد تم سحبها منه قبل ذلك لغرض توليد الكهرباء. فالسماح باستغلال مياه النيل لتوليد الطاقة الكهربائية لا يجوز بحال أن يمس، طبقا لهذه المادة،  كمية المياه التي تتدفق من منابعه إلى المجري الرئيسي فيه.
7- المذكرات المتبادلة بين مصر وبريطانيا ( نيابة عن أوغندا ) في الفترة ما بين يوليو 1952 ويناير 1953، بشأن اشتراك مصر في بناء خزان أوين، الذي أنشئ فعلا عام 1954  لتوليد الطاقة الكهربائية من المياه في أوغندا، والتي اتفق فيها الطرفان على تعلية خزان أوين لرفع منسوب المياه في بحيرة فيكتوريا، كما اتفقا على التعويضات التي تمنح لأهالي أوغندا الذين يصيبهم ضرر جراء ارتفاع منسوب مياه البحيرة، والذي من شأنه زيادة حصة مصر من مياه الري، وتوليد كهرباء تضمن مزيدا من الطاقة لكل من أوغندا وكينيا. ويعد هذا الاتفاق مثالا واضحا على التعاون والتنسيق بين بعض دول حوض النيل، حيث تضمن قيام مصر بالإسهام المالي في بناء الخزان بغرض توليد الكهرباء لاستخدامها في أوغندا، مقابل زيادة حصة مصر من مياه النيل لأغراض الري عن طريق المياه التي تحجز خلف الخزان.
8- اتفاقية الانتفاع الكامل بمياه النيل لعام 1959 بين مصر والسودان بشأن إنشاء السد العالي، وتوزيع المنافع الناجمة عنه بينهما، والتي تعد في الواقع مثالا يحتذي في مجال التعاون بين الدول المشاطئة للأنهار الدولية لاستغلال مياهها، حيث سعت إلى تحقيق نفع مشترك لكل من الدولتين دون إجحاف بالحقوق التاريخية لكل منهما، ودون الإضرار بحقوق باقي دول الحوض. فقد أكدت هذه الاتفاقية احترام الحقوق المكتسبة لطرفيها، وحددت هذه الحقوق بدقة حسما لأي نزاع، حيث أقرت في البند "أولا" منها بحقوق تاريخية مكتسبة لمصر، مقدارها ثمانية وأربعون مليار متر مكعب سنويا، وللسودان أربعة مليارات من الأمتار المكعبة سنويا. وفي مجال مشروعات ضبط النهر، وتوزيع فوائد هذه المشروعات، اتفق الطرفان في البند "ثانيا" على إنشاء السد العالي وتقاسم منافعه، وعلى إنشاء السودان سد الروصيرص على النيل الأزرق، وأية مشروعات أخرى تراها السودان لازمة لاستغلال نصيبها.
كما اتفقا على قيام مصر بدفع التعويضات المالية للسكان السودانيين الذين سيضارون من تكون بحيرة السد العالي. كما اتفق الطرفان في البند "ثالثا" على التعاون في إنشاء مشروعات لاستنقاذ المياه الضائعة في مناطق المستنقعات، لزيادة إيراد النهر من المياه، على أن يكون صافي فائدة هذه المشروعات من نصيب البلدين بالتساوي، وعلى أن يسهم كل منهما بالتساوي في جملة تكاليفها. واتفق الطرفان أيضا على التشاور بشأن أية مشروعات مستقبلية أخرى تخدم أهداف التوسع الزراعي في البلدين. هذا بالإضافة إلى ما قضي به البند "رابعا" من الاتفاقية من إنشاء هيئة فنية دائمة بين البلدين، تعمل على إجراء البحوث والدراسات اللازمة لمشروعات ضبط النهر، وزيادة إيراده ومتابعة الأرصاد المائية على منابعه العليا. وتختص هذه الهيئة برسم الخطوط الرئيسية للمشروعات التي تهدف إلى زيادة إيراد النهر، والإشراف على تنفيذ المشروعات التي تقرها الدولتان في هذا الصدد.
9- أبرمت مصر وأوغندا في مايو 1991 اتفاقية  في شكل خطابات متبادلة بين وزيري خارجية الدولتين،  بعد مفاوضات مكثفة بينهما، بشأن مشروع إنشاء محطة لتوليد الكهرباء على بحيرة فيكتوريا، كانت أوغندا قد تقدمت به إلى البنك الدولي لتمويل عملية إنشائه. وقد تضمن هذا الاتفاق التزام أوغندا بتمرير التصرفات الطبيعية طبقا للمعدلات المعمول بها وقت إبرام الاتفاق، كما تضمن التزامها بما سبق أن اتفقت عليه الدولتان عند إنشاء خزان أوين عام 1953 من الحفاظ على مدى التخزين البالغ قدره ثلاثة أمتار لصالح مصر، وقد ورد بالفقرة الثالثة منه أنه يمكن النظر في تعديل هذه المعدلات لصالح أوغندا لتوليد الكهرباء، بناء على اتفاق الطرفين، وبما لا يضر بدول المصب.
10- وقع الرئيسان المصري والإثيوبي في الأول من يوليو 1993 اتفاق القاهرة، الذي وضع إطارا عاما للتعاون بين الدولتين لتنمية موارد مياه النيل، وتعزيز المصالح المشتركة. وقد حوي هذا الاتفاق في أحد بنوده تعهدا من الطرفين بالامتناع عن أي نشاط يؤدي إلى إلحاق ضرر بمصالح الطرف الآخر فيما يختص بمياه النيل. كما تعهدا بالتشاور والتعاون في المشروعات ذات الفائدة المتبادلة، عملا على زيادة حجم التدفق، وتقليل الفقد من مياه النيل في إطار خطط تنمية شاملة ومتكاملة. كما اتفق الطرفان على إنشاء آلية للتشاور حول الموضوعات ذات الاهتمام المشترك بما في ذلك مياه النيل، وتعهدا بالعمل على التوصل إلى إطار للتعاون بين دول حوض النيل لتعزيز المصلحة المشتركة لتنميته.
والواقع أنه يمكننا أن نبدي على المعاهدات الخاصة بتنظيم استغلال مياه النيل الملاحظات التالية:
أولا- إن بعض هذه المعاهدات تناول الوضع الإقليمي والجغرافي للدول المتعاقدة. وكما هو معلوم، فإن هذا النوع من الاتفاقات الخاصة بالوضع الإقليمي والحدود إنما يشكل قيدا أو التزاما على عاتق الدولة وعلى إقليمها، لا يؤدي انتقال السيادة على الإقليم إلى التحلل منه(6). وهو ما أكدته المادة 11 من اتفاقية فيينا بشأن التوارث الدولي في مجال المعاهدات لعام 1978، أخذا بنظرية الاتفاقات الموضوعية الممتدة)7 (، متوافقا مع ما قررته المادة 62 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969 من أنه لا يجوز الاستناد إلى التغير الجوهري في الظروف كسبب لإنهاء المعاهدة أو الانسحاب منها، إذا كانت من المعاهدات المنشئة للحدود. وعلى هذا، فإنه لا يجوز للدولة الجديدة الناشئة عن الاستقلال - كما هو حال دول حوض النيل - أن تحتج بأن واقعها الجديد يمثل تغيرا جوهريا في الظروف، يبرر لها إنهاء العمل بالمعاهدات المتعلقة بالحدود أو المرتبطة بها، والتي سبق أن أبرمتها الدولة السلف.
وقد ذهبت محكمة العدل الدولية في أحدث أحكامها بشأن الأنهار الدولية في النزاع بين المجر وسلوفاكيا، وفي النزاع بين أوروجواي والأرجنتين بشأن نهر أوروجواي عام 2010، إلى تأكيد أن المعاهدات ذات الطابع الإقليمي، ومنها الاتفاقات المتعلقة بالأنهار الدولية، هي من المعاهدات التي لا يجوز المساس بها نتيجة للتوارث الدولي، أي أنها من قبيل المعاهدات الدولية التي ترثها الدولة الخلف عن الدولة السلف، ولا يجوز لها التحلل منها لأي سبب من الأسباب.
وجلي أن هذه القواعد إنما تطبق على علاقة دول حوض النيل بعضها ببعض فيما يخص القيود والحقوق التي تلتزم بها هذه الدول في استخدام هذه الشبكة الدولية، باعتبار أن المعاهدات التي التزمت بها هي من قبيل المعاهدات العينية التي تنصب على أجزاء تلك الشبكة، والتي تجري في أراضي كل منها. وحيث إن هذه المعاهدات تتناول بالتنظيم مسائل تتعلق بالتزامات ذات طبيعة إقليمية وجغرافية، فإنها لا تتأثر بمجرد انتقال السيادة على الإقليم المحمل بهذه الالتزامات من الدولة المستعمرة إلى الدولة الجديدة.
ثانيا- كانت الدول الموقعة على هذه المعاهدات في حالات كثيرة دولا أوروبية من أصحاب المستعمرات، وقعت تلك المعاهدات باسم الدولة أو الإقليم الإفريقي الخاضع لحكمها. ومع ذلك، فإن القانون الدولي يعترف بسريان مفعول هذه المعاهدات، وفقا لقواعد قانون التوارث بين الدول، سيما وأن هذه المعاهدات لم تأت بمبادئ قانونية جديدة، على خلاف القواعد العامة الحاكمة للنظام القانوني للأنهار الدولية، وإنما أكدت فحسب المبادئ التي سبق للفقه والعرف الدوليين قبولها، كمبدأ الاعتراف بالحقوق التاريخية المكتسبة، ومبدأ وجوب التعاون والتشاور والإخطار.
ثالثا- تكشف العديد من هذه الاتفاقات عن التزام دول حوض النيل بمنح الأولوية المطلقة للحقوق التاريخية، والاقتسام السابق للمياه. فبمقتضي البروتوكول الموقع بين إيطاليا - صاحبة الولاية على الحبشة آنذاك - وبريطانيا عام 1891، التزمت إيطاليا بضمان وصول حصص المياه التاريخية التي تحصل عليها الدول التي تتلقي مياه النيل بعد مرورها من الحبشة. أما اتفاقية 1902، التي وقعها إمبراطور الحبشة، منيليك الثاني، مع كل من بريطانيا وإيطاليا، فقد تعهد بمقتضاها بألا يصدر أية تعليمات أو يسمح بإصدارها فيما يتعلق بأية أعمال على النيل أو بحيرة تانا أو نهر السوباط، يكون من شأنها اعتراض سريان مياهه إلى النيل.
كما قضت المادة الثالثة من الاتفاق المبرم بين الكونغو وبريطانيا -ممثلة للسودان- عام 1906 بأن "تتعهد حكومة الكونغو المستقلة بألا تقيم أو تسمح بإقامة أية أشغال على نهر سمليكي أو نهر آيسانجو أو بجوار أي منهما، يكون من شأنها خفض حجم المياه التي تتدفق في بحيرة آلبرت، ما لم يتم ذلك بالاتفاق مع الحكومة السودانية". أما اتفاقية استعمال مياه النيل لأغراض الري المبرمة بين مصر وبريطانيا عام 1929، والتي أبرمتها بريطانيا، نيابة عن كل من السودان، وكينيا، وتنزانيا، وأوغندا، فقد أكدت فيها الحكومة البريطانية، في الخطاب الموجه لرئيس الحكومة المصرية في السابع من مايو 1929، أولوية الحقوق التاريخية، حيث جاء بخطاب المندوب السامي البريطاني ما يلي "أذكر دولتكم أن حكومة جلالة الملك سبق لها الاعتراف بحق مصر الطبيعي والتاريخي في مياه النيل". وهو المعني  ذاته الذي أكدته بوضوح تام اتفاقية الانتفاع الكامل بمياه النيل لعام 1959 بين مصر والسودان.
مبادرة حوض النيل:
لعله من المفيد هنا وقد عرضنا للاتفاقات الخاصة بنهر النيل أن نعرض  لمبادرة حوض النيل(NBI لعام 1999، والتي هي بمثابة شراكة إقليمية تضم دول الحوض، بهدف العمل المشترك لتطوير وإدارة المياه على المدى البعيد، وتضافر جهود دول الحوض، وصولا إلى تنمية اجتماعية واقتصادية مستدامة، عبر الاستغلال العادل، والتوظيف الأمثل للموارد المائية لحوض النيل، والتي جاءت لتمثل نقلة نوعية مهمة في موقف دول حوض النيل، وسعيها للتصدي لمشكلة المياه. فلأول مرة، تنضم كافة دول الحوض، بما فيها إثيوبيا، لمثل هذا المحفل الإقليمي، والذي قام على أسس، من أهمها:
1- أن يتم التعاون على مستويين، جماعي لكل دول الحوض، وفرعي على مستوي النيل الشرقي والنيل الاستوائي، مع مشاركة مصر والسودان على المستويين في آن واحد.
2- إقامة مشروعات تحقق فائدة للجميع أو لأكثر من دولة من دول الحوض، دون إلحاق ضرر بالدول الأخرى.
3- إقامة تنظيم إقليمي لإدارة وتنمية مياه النيل وتخصيصها على أساس الانتفاع المنصف.
4- اتخاذ القرارات بتوافق الآراء.
وتشمل المشروعات التنموية المتضمنة في مبادرة حوض النيل خزانات ومشروعات ربط كهربائي، بالإضافة إلى تطوير إدارة مبتكرة للمياه، وإدارة مبتكرة للفيضانات والجفاف، وأعمال الوقاية، مثل مشروعات التصحر والمساقط لتوليد الطاقة الكهربائية في مواضع الخزانات المختلفة في إثيوبيا.ولقد تم الاتفاق على هيكل مؤسسي للمبادرة، يتكون من مجلس وزراء الموارد المائية في دول الحوض، واللجنة الاستشارية الفنية، والسكرتارية العامة، كما تم الاتفاق على اختيار مدينة عنتيبي الأوغندية مقرا للسكرتارية الدائمة، على أن تكون الرئاسة بشكل دوري.والحق أن مبادرة حوض النيل تعد بهذه المثابة خطوة إيجابية كبيرة في طريق التعاون بين دول الحوض، حيث لم تقتصر، كغيرها من محاولات التعاون السابقة، على بعض النواحي الفنية فقط، وإنما أضافت إلى ذلك نواحي اقتصادية واجتماعية مهمة، فضلا عن سعيها الحثيث إلى معالجة الجوانب القانونية غير المتفق عليها بين دول حوض النيل، عبر خلق إطار قانوني مؤسسي واحد يكفل للجميع نصيبا عادلا من مياه النيل.
وهنا، فإنه يتعين الإشارة إلى مشروع الإطار القانوني والمؤسسي للتعاون بين دول حوض النيل، والمعروف اختصارا بمشروع D-3 والذي ينطوي على سعي إلى وضع الإطار القانوني والمؤسسي العام للمبادئ التي تحكم التعاون بين دول حوض النيل فيما يتعلق باستخدام مياهه، على نحو يؤدي، على المدى البعيد، إلى تحديد الأنصبة العادلة والمعقولة لكل منها، وبما يضمن تحقيق الاستخدام الأمثل لمياه النيل لصالح جميع دوله وشعوبه.
ولقد تم توقيع الاتفاق المتعلق بالمشروع في أكتوبر 1995، حيث اتفق وزراء الموارد المائية لدول الحوض على تشكيل لجنة من الخبراء في عدة تخصصات، لاسيما القانونية والهندسية، بواقع ثلاثة خبراء من كل دولة، على أن تكون مهمتها هي تحديد الطريقة والأنشطة التي يمكن من خلالها تعيين الحقوق العادلة والمعقولة المتعلقة باستخدام كل دولة من دول الحوض لمياهه، وتقديم التوصية بخصوصها، وذلك من خلال حصر ودراسة الأطر المؤسسية لأنهار دولية أخرى، واختيار ما يصلح منها لتطبيقها على نهر النيل، وحصر كافة المبادئ القانونية والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، واختيار ما يمكن تطبيقه منها عليه، وكذلك تجميع كل البيانات المناخية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها للوقوف على الاستخدامات الحالية لدول حوض النيل، والاحتياجات المستقبلية لها، مع حصر الموارد المائية المتاحة لكل منها لمواجهة هذه الاحتياجات.
وفي يناير 2001، تم بالفعل تشكيل اللجنة الانتقالية، بواقع عضوين عن كل دولة من دول مبادرة حوض النيل التسع. ثم قامت اللجنة في فبراير 2002 بتقديم تقريرها إلى المجلس في دور انعقاده التاسع بالقاهرة، والذي أوصي بضرورة تشكيل اللجنة التفاوضيةNegotiating Committee ، التي تشكلت فعلا في التاسع من ديسمبر 2003، من أجل الاتفاق على الشكل النهائي للإطار التعاوني القانوني والمؤسسي لدول حوض النيل. وتجدر الإشارة إلى أن اللجنة التفاوضية قد نجحت بالفعل في حسم بعض نقاط الخلاف التي ثارت بين دول حوض النيل، والتي كان من بينها مبدأ الالتزام بعدم الضرر، ووجوب دراسة الآثار البيئية للمشروعات المزمع القيام بها، ومدى تأثر الدول الأخرى بها.
على أن ثمة عددا من نقاط الخلاف التي حالت دون الوصول إلى اتفاق نهائي في هذا الصدد، تمثلت في إصرار كل من مصر والسودان على الآتي: أولا: وجوب وجود نص صريح في الاتفاقية الإطارية، يضمن عدم المساس بالحصة التاريخية لكل من مصر والسودان، ثانيا: الإخطار المسبق عن أية مشروعات تزمع دول المنابع القيام بها، ويحتمل أن تؤثر في حصة الدولتين، وأخيرا: أن يكون تعديل الاتفاقية أو أي من ملاحقها بالتوافق العام وليس بالأغلبية، أو في حالة الأخذ بمبدأ الأغلبية أن تكون أغلبية موصوفة تشمل الدولتين. ولقد كان الخلاف حول هذه النقاط الثلاث سببا في فشل جولات التفاوض المتعددة، بدءا من كينشاسا في مايو 2009، مرورا بالإسكندرية في يوليو 2009، ثم كمبالا في سبتمبر 2009، ودار السلام في ديسمبر 2009، وصولا إلى شرم الشيخ في أبريل .2010 والحق أنه ليس ثمة شك في أن موقف مصر والسودان، الذي تبدي واضحا في جولات المفاوضات الأخيرة، منذ كينشاسا مايو 2009، والقائم على رفض توقيع مشروع الاتفاقية، ما لم يتضمن نصا صريحا على الحقوق المكتسبة لمصر والسودان في مياه النيل، ووجوب الإخطار المسبق عن أية مشروعات على النهر، تقيمها إحدي دول المنابع، وفقا لإجراءات الإخطار التي اعتمدها البنك الدولي في هذا الشأن، فضلا عن وجوب أن يكون تعديل الاتفاقية أو أي من ملاحقها ليس بالأغلبية، وإنما بالتوافق العام، أو بالأغلبية الموصوفة التي تشتمل على كل من مصر والسودان - هو موقف سليم من الناحية القانونية.  وتفصيل ذلك أن مصر والسودان تمسكتا في كينشاسا وما بعدها بنص المادة 14B من المشروع، والتي تتحدث عن "الأمن المائي" والاستخدامات الحالية، باعتبار أن ذلك يمثل البديل الوحيد المقبول للنص على "الحقوق التاريخية والمكتسبة"، والتي تكفلها لمصر والسودان كافة الاتفاقيات السابقة الخاصة بنهر النيل، وحتي لا يفهم من توقيع الدولتين الاتفاقية الإطارية دون هذا النص أنه تنازل منهما عن الاتفاقيات السابقة التي تؤكد هذه الحقوق، عملا بقاعدة أن اللاحق ينسخ السابق.
والواقع أن تمسك مصر والسودان بحقوقهما التاريخية في مياه النيل ليس مرده إلى ما ورد بشأن هذه الحقوق في اتفاقيات نهر النيل، خاصة اتفاقيتي 1929 و1959 فحسب، وإنما هو أبعد من ذلك بكثير. فمرده أساسا إلى استعمال ظاهر لمياه النيل لآلاف السنين، لا يعوقه عائق على الإطلاق، قامت عليه أقدم حضارة في التاريخ دون وجود بديل حقيقي له فيها، ودونما اعتراض من أي أحد كان مقيما طوال هذه الآلاف من السنين على ضفاف النهر، سيما وأن المقيمين عليها خارج مصر كانوا في غير حاجة إليها لإفراط المطر، حيث يقيمون. كذلك، فإنه ليس من المنطق في شيء أن تتفق الدول الإفريقية، حديثة العهد بالاستقلال في أوائل الستينيات من القرن الماضي عند إنشائها لمنظمة الوحدة الإفريقية، على التسليم بالحدود المتوارثة عن الاستعمار، بالرغم مما بها من عيوب وتشوهات، حفاظا على الاستقرار في العلاقات الدولية، ثم تثير بعض دول حوض النيل مسألة أن اتفاقيات النهر هي اتفاقيات استعمارية، وأنها غير ملزمة بها، متناسية أن حقوق مصر فيها ليس مردها هذه الاتفاقيات فحسب، وإنما استعمال دائم ومستمر، وظاهر ومستقر لآلاف السنين السابقة، وأن الحديث عنها يهدد فعلا الاستقرار والعلاقات بين دول حوض النيل.
أما فيما يتعلق بتمسك مصر والسودان بالإخطار المسبق، وفقا للإجراءات التي يجري عليها العمل في البنك الدولي، فهو مما يفترضه حسن النية، ومبدأ الانتفاع المنصف بمياه الأنهار الدولية، وتؤكده كل الوثائق الدولية ذات الصلة.وفيما يتعلق بمسألة التصويت في شأن تعديل الاتفاقية، أو أي من ملاحقها، فإنه من البديهي أن اختلاف المصالح القائم أو المحتمل في المستقبل بين دول المنابع، وهي الأكثرية الساحقة في حالة نهر النيل، ودول المصب، وهي الأقلية الضئيلة فيه، سيجعل دول المنابع قادرة دون شك على تغيير ما تشاء من بنود الاتفاقية وملاحقها، إذا ما كان التصويت بالأغلبية. ومن ثم، فإن مصر والسودان ستكونان في موقف شديد الضعف عند التفكير في تعديل تقترحانه، أو تقترحه دول المنابع أو بعضها.وهكذا، فإن اعتبارات السياسة والمصالح المتعارضة قد حالت حتي وقتنا الراهن دون الوصول إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف، ينظم الانتفاع بمياه نهر النيل، رغم ما هناك من إمكانات ضخمة للمنافع المشتركة بينها. وما شروع إثيوبيا في أعمال البناء الفعلي لسد النهضة، دون اكتراث بقواعد القانون الدولي، لا سيما ما يرتبط بالإخطار المسبق، إلا دليلا دامغا على ذلك.
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
 عضو  والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق