رئيس اليمن الأسبق
دعم عبد الناصر لليمن كان قرارًا استراتيجيًا.. وعلاقة تاريخية تربطني بـ"أخبار اليوم"
اليمن يمتلك 132 حقل نفط بِكرًا لم يستثمر.. والصراع هناك سببه دائمًا الموقع والثروة
الضغوط الإقليمية وراء انسحاب شركة إيطالية من استثمار حقول النفط اليمني
مصر رأس حربة العرب وتستطيع أن تنهض بالأمة.. واستقرار المنطقة يأتي من هدوء اليمن
الحرب اليمينية في الستينات استنزفت مصر والسعودية.. ودعم القاهرة وراء تثبيت النظام الجمهوري في صنعاء
في اليمن اليوم أكثر من رئيس ومن حكومة ومن برلمان.. والجيش تفرّق إلى ميليشيات
أنصح بالحوار مع إيران والسعودية والإمارات للوصول إلى حل دائم في اليمن
على كل طرف أن يقدم تنازلات بدون إقصاء.. والانتخابات تحكم البلد
مصر ضحت بالكثير من أجل القضية الفلسطينية.. وأزمة السودان وراؤها الخارج
مجموعة السلام العربي تطورت من معالجة الأزمة اليمنية إلى مشكلات ليبيا
بدأ الرئيس اليمني السابق علي ناصر محمد ، شبابه بالكفاح المسلح والثورة ضد الاحتلال البريطاني، حتى تحرير جنوب اليمن عام 1967 بعد 129 سنة من الاحتلال الانجليزي، وانتقل بعدها إلى السلطة في الدولة المتحررة "الجديدة وقتها" جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، محافظاً للجزر ثم وزيراً للدفاع ، ثم رئيساً لمجلس الوزراء، ثم نائباً لرئيس الدولة ثم رئيساً لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية لفترتين رئاسيتين والأمين العام للحزب الاشتراكي، حيث عمل كرئيس لمجلس الرئاسة من 26 يونيو 1978 حتى 27 ديسمبر 1978، وكرئيس للجمهورية في أبريل 1980 حتى عام 1986م، ثم أصبح أحد المؤيدين للاحتجاجات الشعبية اليمنية 2011م بهدف التغيير وليس التدمير.
وفي عام 2015 أسس ناصر "لجنة السلام اليمنية" في محاولة لوقف الحرب اليمنية والنزاعات المسلحة في دولة اليمن شمالاً وجنوباً، وكان من ضمن الشخصيات عبد السلام المجالي رئيس وزراء الأردن الأسبق والمهندس سمير حباشنة وزير الداخلية الأردني الأسبق وطاهر المصري رئيس مجلس النواب الأردني الأسبق وعباس زكي عضو اللجنة المركزية لحركة فتح وسفير فلسطين في عدن وعميد السلك الدبلوماسي العربي في عدن.
وفي عام 2022 نمت اللجنة الى "مجموعة السلام العربى"، التي عقدت اجتماعها التأسيسي بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية وتحت رعاية أحمد أبو الغيط الأمين العام، للمساهمة في حل الصراعات العربية وإرساء السلام والاستقرار بالمنطقة العربية ونشر ثقافة السلام.
وبين تلك المحطات النضالية والثورية والسياسية والرئاسية والداعية للسلام والاستقرار، حقبات تاريخية في عمر الرئيس ناصر، تملئ بآراء وتحليلات كمشارك في تاريخ بلده اليمن.
«الأخبار المسائي» أجرت هذا الحوار مع الرئيس اليمني الأسبق علي ناصر في مقر إقامته على ضفاف نيل القاهرة.
* في البداية، صف لنا علاقتك بالصحافة المصرية وتأثير "أخبار اليوم" في نقل الأخبار اليمنية وأحداثها التاريخية؟
** أرتبط بمؤسسة أخبار اليوم بعلاقات تاريخية، فهي مدرسة للصحافة العربية ومنبر للثوار والثورات الوطنية التحررية ضد الاحتلال الاستعماري البريطاني والفرنسي والإيطالي لأوطاننا العربية، وكذلك كل الصحافة المصرية، هي من دعمتنا وأرسلت المراسلين الحربيين لجبهات القتال لنقل أخبار الثورة والكفاح المسلح ضد المحتل الأجنبي بالرغم من المخاطر، وكلها لها منا كل تقدير لما قدمته لنا من دعم وتنوير، وأخص بالذكر نقيب الصحفيين الراحل مكرم محمد أحمد، كونه أول صحفي أقابله في اليمن عندما كان مراسلاً هناك لتغطية أخبار الثورة اليمنية شمالاً وجنوباً، فكان مراسلا حربيا في جبهات القتال، حيث ألف مكرم كتاباً بعنوان "الثورة جنوب الجزيرة" وقد أصبح اليوم أحد المراجع التاريخية عن ثورة اليمن، وبعد دورة عسكرية خضعت لها مع بعض الفدائيين من عدن وجبهات القتال في حرب العصابات بمعسكر صالة بمدينة تعز التي يشرف عليها جهاز القيادة العربية في تعز وكان يُسمى "عملية صلاح الدين"، انطلقنا مع عدد من المناضلين مع الصحفي مكرم محمد أحمد من تعز إلى البيضا إلى الجبهة الوسطى، سيراً على الأقدام واخترقنا الحدود وسط كمائن نُصبت لنا على الطريق، ولم يعقنا شيء عن تحقيق أهدافنا، رغم ترحالنا المحفوف بالمخاطر والمتاعب، وكان مكرم وقتها يلتقي بالثوار والمواطنين ويسجل ويلتقط الصور في جبهات القتال، فنحن نعتز بالصحافة المصرية والصحفيين المصريين.
وكنا وقتها شباباً هدفنا تحرير الجنوب من الاستعمار البريطاني وواجهتنا كثير من المصاعب والكمائن وتعرضنا لإطلاق النار، أتذكر أننا أسقطنا إحدى الطائرات البريطانية من نوعية "هوكرهانتر" في جبل فحمان. وصورها الراحل مكرم محمد أحمد، فكان مكرم أول صحفي مصرى يغامر ويدخل إلى جنوب اليمن وقت الثورة والتحرير.
* هل التقيت الرئيس عبد الناصر وماذا دار بينكما ؟
** نعم التقيت الرئيس والزعيم جمال عبد الناصر في يونيو 1970 وكان لقاءً تاريخيًا وشكرته وأشدت بدور مصر في دعم الثورة اليمنية في الشمال والجنوب والثورات العربية والأفريقية التحررية وفي مقدمتهم الثورة الفلسطينية.
* نود تقديم نبذة عن ثورة 14 أكتوبر ضد الاحتلال البريطانى ومساندة مصر لها؟
** بدأت الثورة في 14 أكتوبر 1963 بقيادة الجبهة القومية من جبال ردفان الشماء لمقاومة الاستعمار البريطاني الذى احتلها في 22 يناير 1839، وقتها لم يكن العالم يعرف شيئًا عن الثورة ، إلى أن جاء الرئيس جمال عبد الناصر إلى اليمن في أبريل 1964 وزار صنعاء وتعز بالقرب من حدود الجنوب، وقال الزعيم عبد الناصر من تعز للاستعمار البريطاني في خطاب مشهور: "على الاستعمار البريطاني أن يأخذ عصاه ويرحل من عدن"، واتخذ عبد الناصر قراراً حينها بدعم الثورة وتكليف مجموعة من الضباط المخلصين لتأسيس جهاز باسم عملية صلاح الدين، هذا الجهاز هو الذي أشرف على تدريب الفدائيين وكنت منهم، ومن أدواري الإشراف على توزيع السلاح ونقله إلى جبهات القتال وأيضاً نشر الأخبار الحربية إلى الإعلام المصري في صوت العرب وإذاعة القاهرة والإذاعات اليمنية، وكان لمصر دور كبير في دعم الثورة اليمنية حتى تحررت بالكامل من الاستعمار البريطاني في 30 نوفمبر 1967م.
ونحن نحيي مصر شعباً وحكومة ورئيساً في الماضي والحاضر ونعتز بمصر لأن لدينا إيمان راسخ، أنه عندما تنهض مصر تنهض الأمة العربية كلها من الخليج إلى المحيط، ونتمنى لمصر، أن تتطور وتزدهر تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي.
*هل استمرت مصر في دعم الدولة اليمنية في الجنوب بعد التحرير؟
** بالفعل بعد قيام الدولة في الجنوب، كانت مصر الدولة الأولى التي اعترفت بجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، وأول من ساندت تلك الدولة الوليدة التي قامت في الجنوب بما تتمتع به بأهم موقع استراتيجى في عدن وباب المندب، ولأهمية عدن احتلها البريطانيون لمدة 129 سنة، ولذلك نحن ندفع ثمن هذا الموقع وأحياناً أخرى ندفع ثمن الموقف، كتبعيات الطوبغرافيا السياسية.
*كيف تصف أهمية الموقع الاستراتيجى لليمن؟
** لقد تحدثت مع اللواء عمر سليمان رئيس المخابرات الراحل، فقال لي: "أنتم العمق الاستراتيجي لمصر"، وقد كان قرار عبد الناصر بدعم الثورة اليمنية شمالاً وجنوباً قراراً استراتيجياً لأهمية الموقع الذي تتمع به اليمن في باب المندب والبحر الأحمر والمحيط الهندي وجزيرة العرب والقرن الأفريقي، إضافة لما يمتلكه من ثروات هائلة لم تكتشف بعد، فهناك 132 حقل نفط بِكرًا لم يستثمر أي منها بعد، فالصراع في اليمن دائما، على الموقع والثروة.
* وما أهمية الجزر اليمنية بالبحر الأحمر والمحيط الهندي؟
** بعد قيام الدولة في الجنوب أصدر الرئيس قحطان الشعبي قراراً جمهورياً سنة 68، بتعييني محافظاً للجزر في البحر الأحمر والمحيط الهندي لإثبات حق اليمن في سيادة هذه الجزر، وكان الوفد البريطاني أجهدنا خلال مفاوضات جنيف في نوفمبر 67، فحاول تدويل جزيرة بريم في باب المندب؛ أي جعلها تحت الوصاية الدولية، وكانوا يريدون جزيرة سقطرى أيضاً، كما طالبوا بالإبقاء على قاعدة عسكرية لهم في عدن، ورفض رئيس الوفد المفاوض قحطان الشعبي هذه المطالب.
وكما أسلفت سابقاً، فقد عُينت حينها محافظاً للجزر في المحيط الهندي والبحر الأحمر، وكتبت عنها في مذكراتي "الطريق إلى باب المندب".
وبعدها تقلدت عددًا من المناصب؛ وزيراً للإدارة المحلية ثم وزيراً للدفاع وبعدها رئيساً للوزراء فنائباً للرئيس ثم رئيساً للدولة، واستطعنا بناء دولة قوية مهابة في المنطقة كلها، كان التعليم في عدن مجانيًا وكذا السكن والمواصلات شبه مجانية.
* هناك من يدّعون أن الاحتلال كان قاطرة التقدم والتنوير، فماذا فعل الاحتلال البريطاني في التعليم اليمني من أجل التنوير؟
** الاحتلال البريطانى طوال 129 سنة لم يؤسس جامعة واحدة في عدن والمحميات، بينما في 10 سبتمبر 1975 أسسنا أول جامعة في عدن واعتبرنا ذلك اليوم عيداً للعلم يجري فيه تكريم أوائل الطلبة وعملنا علي تغيير المناهج من رياض الأطفال حتى المرحلة الجامعية، كما أطلقنا عام 84 برنامج محو الأمية وتعليم الكبار وتعليم البدو الرحل ونظمنا حملة شاملة بإشراف اليونسكو حتى أصبحت نسبة الأمية 2.5 % طبقاً لإحصائية اليونسكو، وهو إنجاز لم يكن موجودًا في أي دولة حينها، وقد اهتمينا بالتعليم كونه أساسًا للتقدم والنهضة والنماء.
تلك الجهود التي قامت بها حكومة الثورة بعد التحرير جاءت رداً علي سياسية التجهيل التي مارسها الاحتلال البريطاني في عدن والجنوب وفي كافة المستعمرات البريطانية في العالم.
ولا ننسى دور الدول الشقيقة في تقديم الخبرات والكفاءات بعد قيام الدولة في الجنوب، بعثت مصر أعدادًا كبيرة من المدرسين وساهمت في إنشاء معهد ناصر الزراعي في الحوطة عاصمة محافظة لحج.
كما بنت الكويت العديد من المدارس والمستشفيات والمنشآت الصحية ورعت الجانب التعليمي، ولا ننسى دور الأخوة في سوريا والسودان والعراق في إيفاد المدرسين والقضاة.
*ماذا يحدث في اليمن الآن وإلى أين يتجه؟
** اليمن يدفع
ثمن الموقع والموقف "الجيوسياسي" والثروات الهائلة البكر في الأرض والبحر؛ نفط وغاز ومعادن وسياحة وأسماك، فاليمن تعداده حوالي 40 مليون نسمة على مساحة 550 ألف كيلو متر مربع، ومع ذلك لم تستثمر هذه الثروات بسبب الحروب والصراعات الداخلية والتدخلات الخارجية.
وفي عام 1982 اكتشفت شركة إيجيب الإيطالية، النفط في البحر بكميات تجارية، ومن النوع الممتاز، ولكن نتيجة الضغوط الإقليمية على هذه الشركة انسحبت وتركت الحقل، وهو قابل للاستثمار في أي وقت.
ونؤكد أن استقرار اليمن هو استقرار للمنطقة كلها، وقلت لإخواننا في الخليج عندما كنت رئيساً أن استقرار اليمن هو لمصلحتكم واستقراركم، والصراعات والحروب لا تخدم دول المنطقة ولا تحقق الاستقرار والتنمية فيها.
عندما اندلعت الحرب في اليمن خلال مارس 2015م، توقع البعض الدخول إلى صنعاء خلال 30 إلى 45 يومًا، وقلت لهم في ذلك الوقت الدخول إلى صنعاء صعب، وقد يأخذ أكثر من ثلاث سنوات، وها نحن في السنة العاشرة للحرب، واستشهدت بتجربة الرئيس عبد الناصر والملك فيصل في الستينيات إبان قيام ثورة سبتمبر في الشمال التي أطاحت بالنظام الملكي، وقتها قدم الرئيس جمال عبد الناصر مساعدات لثوار سبتمبر الجمهوريين، والملك فيصل قدم مساعدات للملكيين، ودارت حرب أهلية في الشمال بين الجمهوريين والملكيين استمرت من سنة 62 حتى سنة 68، فتحولت إلى حرب استنزاف لمصر برجالها واستنزاف للسعودية بمالها، وفي النهاية عندما التقى الملك فيصل والزعيم جمال عبد الناصر بالخرطوم في 67م على هامش مؤتمر القمة العربية الرابع، وتحدثا عن ضرورة وقف الحرب، وكان الرئيس عبد الناصر زار جدة والسعودية قبلها لوقف الحرب، واتفقا علي وقف إطلاق النار، واتفقوا على سحب القوات المصرية من اليمن ووقف الدعم السياسي والعسكري والمالي عن الملكيين من اليمن، فالتضحيات التي قدمتها مصر أدت إلى الحفاظ على الجمهورية والثورة.
ونحن الآن بحاجة إلى وقف الحرب وإرساء السلام والاستقرار، وقدمنا أكثر من مبادرة، وطالبنا بالاحتكام إلى لغة الحوار بدلاً عن السلاح.
كما بادرت سلطنة عمان لإجراء حوار بين السعودية وجماعة "أنصار الله" تمخض عن ذلك ما سُميَ بخارطة الطريق لحل المشكلة في اليمن.
وأصبح في اليمن اليوم أكثر من رئيس وأكثر من حكومة وأكثر من برلمان ومجلس شورى، إضافة إلى تفرق الجيش اليمني إلى ميليشيات مسلحة في كل من عدن وصنعاء.
ونطالب بوقف الحرب واستعادة الدولة برئيس واحد وحكومة واحدة وجيش واحد، ونبارك جهود سلطنة عمان والسعودية وأنصار الله لوقف الحرب.
*هل سياسة المحاورالإقليمية المختلفة تعرقل هذا الحل؟
** هناك ثلاثة أطراف لثلاث عواصم عربية وإسلامية يتحكمون في اليمن اليوم، وقلت للمبعوث الأممى لليمن أنصح بالحوار مع إيران والسعودية والإمارات للوصول إلى حل دائم وشامل للسلام والاستقرار في اليمن، ونحن حريصون على أن يشارك اليمنيون في صنع القرار والسلام.
*لماذا لم تقدِّم مبادرة للأطراف الخارجية والداخلية للوصول إلى اتفاق سلام؛ خاصة أنك على علاقة ومسافة واحدة من جميع الأطياف السياسية؟
** نعم أنا على اتصال مع كافة الأطراف سواء أنصار الله أو المجلس الانتقالى أو حزب الإصلاح أو حزب المؤتمر الشعبى العام أو القبائل، وكذلك على اتصال بالمحاور الإقليمية الفاعلة في اليمن وهي السعودية والإمارات وإيران وأيضاً الوسطاء عمان وقطر، وانحيازي لليمن فقط، فلا أريد السلطة ولكن أبحث عن حل لمشكلة الوطن، لذلك أناشد جميع الأطراف بوقف الحرب وإرساء السلام والاستقرار، لأننا عانينا من الحروب على مدار مائة سنة، فحان الوقت لهذا الشعب أن يستقر ويستثمر خيراته وهذا لن يتحقق إلا بوقف الحرب بشكل دائم واستعادة الدولة برئيس واحد وحكومة واحدة، ونحن بحاجة إلى فترة انتقالية حوالي خمس سنوات تشكل بها حكومة انتقالية تعيد مراجعة الدستور إلى أن تستعيد مؤسسات الدولة، بعدما انهار كل شىء في اليمن.
نحن بحاجة إلى عدم المساءلة لأحد في اليمن لأن جميعنا مسئولون عما يجري اليوم، ولابد أن يقدم كل طرف تنازلات للحل؛ لا منصور ولا مهزوم، ولا نريد إقصاء طرف على حساب طرف آخر، من ينتخبه الشعب يحكم البلد، عبر ثورة صناديق الانتخابات، ونأمل من جميع الأطراف الداخلية والإقليمية الاستجابة لهذا النداء.. وتحدثت مع الأمريكان والبريطانيين والروس والصينيين، ولدي مشروع للسلام مع الأطراف المحلية والإقليمية والدولية من أجل استقرار اليمن والمنطقة.
* كمؤسس للوحدة الجنوبية ورئيس الجمهورية اليمنية الشعبية، كيف ترى مطالب الحراك الجنوبي بما يسمى بفك الارتباط وعودة دولة الجنوب؟
** أنا مع استمرار الوحدة اليمنية شمالاً وجنوبًا.. لماذا ؟، لأننا تربينا تربية قومية وناصرية، فسميت ابنى جمال تيمناً بالرئيس جمال عبد الناصر، فكانت الأمة العربية قوية بقوة مصر وبمشاريعها القومية العربية والأفريقية، فعبد الناصر أقام حركة عدم الإنحياز والشعوب كانت تحب عبد الناصر لأنه يعبر عن طموحات الجماهير،
ووقعت مع محسن العيني رحمه الله أول اتفاقية للوحدة اليمنية بجامعة الدول العربية في 28 أكتوبر 1972م، وذلك بعد حرب نشبت بين الشمال والجنوب فتدخلت الجامعة العربية لحل المشكلة وأرسلت وفدًا إلى صنعاء، قابله الرئيس القاضي عبد الرحمن الأرياني ومحسن العيني رئيس الوزراء وأبلغوا الوفد بأنهم موافقين على وقف الحرب، ثم جاء الوفد لعدن والتقيت معهم وقالوا إن صنعاء ترحب بوقف إطلاق النار وسألوني: ما رأيك؟، فقلت لهم: نحن مع وقف الحرب من الساعة الخامسة يوم غد، وموافق للذهاب غداً إلى صنعاء لوقف الحرب، واتصلت بمحسن العيني رئيس الوزراء أمام وفد الجامعة العربية، واتفقنا على وقف الحرب فوراً بدءاً من الغد، على أن نلتقي في صنعاء أو في عدن، ثم تم الاتفاق على المقابلة بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالقاهرة، ووقعنا أول اتفاق للوحدة اليمنية وهي أهم اتفاقية وحدوية وكانت اساس العمل الوحدوى طوال الفترة الماضية وحتى قيام الوحدة حتى ارتبط اسمى بالوحدة، ولهذا أنا مع الوحدة في الماضي والحاضر والمستقبل، والبديل هو الانفصال الذي يطالب به البعض بفك الارتباط بين عدن وصنعاء، لكني لست مع هذا، وهم أحرار في قرارهم وخيارهم، لكنى لست مع مطالبهم، وقبل الوحدة في الماضي؛ التقيت مع وفد من المجلس الانتقالى في بيتى لمحاولة إقناعى بفك الارتباط وقبلها قابلت الرئيس الجنوبي الأسبق عَلي سالِم البِيِض -وهو الذي وقع علي اتفاق الوحدة مع رئيس اليمن الشمالي وقتها علي عبد الله صالح لتأسيس الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990 ورفعا معاً علم الوحدة في عدن-، وطلب مني في بيروت بالوقوف الى جانب استعادة دول الجنوب وقلت له إنك أنت الذي وقعت علي الوحدة ولست أنا، أنا مع الوحدة، لأن الوحدة تعني اليمن الكبير، وعلينا حل المشكلات التي خلفتها حرب 94م.
* كيف تثمن جهود مصر لدعم القضية الفلسطينية، خاصة في ظل استمرار العدوان الإسرائيلى علي قطاع غزة ؟
** مصر ضحت بالكثير من أجل القضية الفلسطينية خلال حروب 48 و56 و67 و73 وحتى الآن، مصر هي الشقيقية الكبرى؛ ليست للشعب الفلسطينى وحده وإنما تجاه الأمة العربية كلها، مصر تتحمل ثمن موقعها الاستراتيجي وهناك من يريد إضعاف دورها القومي ولكن القاهرة لها ريادتها العربية والإسلامية والإقليمية، ومصر دعمت الشعب الفلسطيني سياسياً ودبلوماسياً وتفاوضياً بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي في مواجهة العدوان الإسرائيلى الغاشم، ومازالت تقوم بدورها القومي لحقن دماء الشعب الفلسطيني ودورها يشهد به العالم أجمع.
* ما منظورك للعدوان الإسرائيلي على غزة ؟
** نحن مع غزة و مع صمود المقاومة الفلسطينية، فقد سجلت غزة أروع البطولات الفدائية في تاريخ الحروب والشعوب، مساحة لا تزيد عن 360 كيلو متر مربع، تصمد سبعة أشهر في أطول حرب في الصراع العربي الإسرائيلي، مع الأسف فالدول الغربية منحازة لإسرائيل في حرب الإبادة ضد غزة وفي كل الحروب. فيما مصر تحاول بذل الجهود المضنية من خلال المفاوضات لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى الفلسطنيين والرهائن الإسرائيليين ولازالت الجهود مستمرة.
وفي يوم 5 مايو تحدثت هاتفياً مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية وأشدنا بصمود المقاومة في قطاع غزة وبقية المدن الفلسطينية، وحيينا الشعب الفلسطيني على صموده في وجه الجيش الإسرائيلي الذي كان يقال عنه إنه لا يقهر ولكن إرادة الشعب في غزة والمدن الفلسطينية حطمت هذه الأسطورة والوهم عند الشعوب، كما حيينا الانتفاضات الطلابية في الجامعات الأميركية والأوربية المطالبة بوقف الحرب وقطع العلاقات مع إسرائيل.
* كيف ترى التحديات التي تواجه العالم العربي؟
** الأمة العربية بحاجة إلى مشروع عربي قومي، لأن حالة التشرزم والانقسامات والحروب دمرت اليمن وليبيا وسوريا ولبنان والعراق والصومال والسودان، حتى الجزائر أصيبت بالحرب الأهلية في نهاية التسعينات.
ونأسف لما يحدث في السودان من صراع عسكري يدمر الدولة وينهك الشعب، السودان هي العمق الاستراتيجي للأمن القومي المصري والعربي، وبشكل عام، فإن التدخلات الخارجية هى التى تمنع إرساء السلام في المنطقة وتغذي الانقسامات والصراعات المسلحة لإضعاف وإنهاك المقومات العربية ومنع الوحدة العربية ومنع التقارب بين الأطراف المتنازعة، وطالما القرار في الخارج فإن الأوضاع لن تستقر في الداخل، فلابد أن يحتكم السودانيون إلى الحوار السلمي ويجب أن تتوقف الأيادي الخارجية عن زعزعة الاستقرار في الشؤون الداخلية للدول العربية.
والسودان سلة الغذاء العربي مساحته أكثر من مليونى كيلو متر مربع، وكما نعلم لقد انفصل الجنوب عن الشمال وكنت أتمنى ألا ينفصل، وبعد الانفصال بدأ الصراع بين الجنوبيين وبعضهم البعض، وتحدثت سابقاً مع الجنرال جون جارنج وهو رجل سياسي وحدوي، وطالبته بالحوار مع الرئيس سوار الذهب وقال لي: "أمد يدي له ولأي رئيس سوداني من أجل وحدة السودان، وأنا ثابت على موقفي مع وحدة السودان، واستُقبل جارنج استقبالًا شعبيًا حافلًا في الخرطوم لتحقق عملية السلام بعد حرب أهلية طويلة امتدت حوالي 50 سنة، إلى أن أغتيل جارنج في طائرة في أوغندا، وكتبت مقالًا عنه بعنوان "فارس الجنوب الأسمر" وتغيرت الظروف وحدث الانفصال.
*كتبت مقالًا بعنوان "وطن لا نحميه لا نستحقه".. فكيف نحمي الوطن؟
** نحمي الوطن بالشعب والدستور ونحميه بالعدل، يُروى أن الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز، جاءته رسالة من أحد الحكام بأن هناك تمردًا ويريد الإذن منه لبناء سور لتحصين المدينة من المتمردين، فقال له عمرو بن عبد العزيز: "سوروها بالعدل"، فحيث وُجد العدل وُجد الاستقرار، واليمن جدير بالاستقرار حتى يعود اليمن السعيد كما كان يسمى.
* ما رأيك في عمليات الحوثيين بالبحر الأحمر؟
** أنصار الله بدأوا في صعدة وبعض المحافظات ورفعوا شعار الموت لامريكا والموت لإسرائيل والنصر للإسلام واللعنة على اليهود، ومازالوا يرددونه حتى اليوم وعانوا من ستة حروب، بين كل حرب وحرب؛ حرب، وقلت إن جميعها حروب عبثية، وطالبت بإيقاف هذه الحروب في بدايتها، ولكن هناك قوى داخلية وخارجية تقف وراء هذه الحروب، بعد ذلك تم الاتفاق على وقف الحرب السادسة وقبلت جميع الاطراف بذلك، ثم دخل الحوثيون في الحوار الوطني في 2012م وشاركوا بإيجابية، بعدها تطور نشاط الحوثيين ووصلوا إلى صنعاء بالتحالف مع علي عبد الله صالح، بعد محاربتهم في ستة حروب متتالية، وذلك ليس حباً فيهم لكن كراهية لحزب الإصلاح "الإخوان المسلمين" وللفريق علي محسن الأحمر الذي انشق عنه مع بعض الضباط، بعد ذلك التقيت بوفد من أنصار الله في بيروت وقلت لهم إنكم دخلتم بالتعاون مع بعض الأطراف في صنعاء وتحت شعار "إسقاط حكومة الفساد وإسقاط الجرعة"؛ أي أسعار النفط، ونصحتهم حينها ألا يدخلوا عدن ولا باب المندب ولا يتعرضوا للرئيس عبد ربه منصور ولا يقتربوا من حدود السعودية، ولكنهم عملوا عكس تلك النصائح، وانتقدتهم بعد كل ما جرى وقالوا إن الرئيس علي عبد الله صالح هو الذي نصحهم ودفعهم الى هذه المواقف التي كانوا في غنى عنها، وما يجري اليوم في البحر الأحمر من صراعات وحروب بعد الحرب على غزة حيث أعلنوا أنهم لن يوقفوا عملياتهم حتى توقف الحرب على غزة، ونحن نريد السلام لغزة أولاً ولليمن ثانياً ولمصر والأمة العربية جمعاء.
*ما أهداف مجموعة السلام العربي التي ترأسها؟
** فكرة المجموعة بدأت بلجنة السلام اليمنية وكنا مجموعة تدعو إلى السلام باليمن، وتواصلنا في 2015 مع جميع الأطراف في محاولة لوقف الحرب وإرساء السلام، ثم طورنا الفكرة عندما اشتعلت الحروب في المنطقة كلها، إلى مجموعة السلام العربي وعقدنا أول اجتماع في أكتوبر 2022 برعاية أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية وأكدنا في اجتماعنا الأخير في أول مايو الجاري على وقف الحرب في غزة وفي جميع البلاد العربية وإنهاء المشكلات المندلعة في ليبيا وسوريا واليمن والسودان والصومال، والجميع يؤكد علي الاحتكام للحوار من أجل السلام وإنهاء الحروب التي لا يستفيد منها إلا أعداء الأمة العربية وفي المقدمة القضية الفلسطينية.